فَصْلٌ
وَأَمَّا جِهَادُ الشَّيْطَانِ فَمَرْتَبَتَانِ، إِحْدَاهُمَا: جِهَادُهُ عَلَى دَفْعِ مَا يُلْقِي إِلَى الْعَبْدِ مِنَ الشُّبُهَاتِ وَالشُّكُوكِ الْقَادِحَةِ فِي الْإِيمَانِ.
الثَّانِيَةُ: جِهَادُهُ عَلَى دَفْعِ مَا يُلْقِي إِلَيْهِ مِنَ الْإِرَادَاتِ الْفَاسِدَةِ وَالشَّهَوَاتِ، فَالْجِهَادُ الْأَوَّلُ يَكُونُ بَعْدَهُ الْيَقِينُ، وَالثَّانِي: يَكُونُ بَعْدَهُ الصَّبْرُ. قَالَ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24] [السَّجْدَةِ: 24] فَأَخْبَرَ أَنَّ إِمَامَةَ الدِّينِ إِنَّمَا تُنَالُ بِالصَّبْرِ وَالْيَقِينِ، فَالصَّبْرُ يَدْفَعُ الشَّهَوَاتِ وَالْإِرَادَاتِ الْفَاسِدَةَ، وَالْيَقِينُ يَدْفَعُ الشُّكُوكَ وَالشُّبُهَاتِ.
فَصْلٌ
وَأَمَّا جِهَادُ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ فَأَرْبَعُ مَرَاتِبَ: بِالْقَلْبِ، وَاللِّسَانِ، وَالْمَالِ، وَالنَّفْسِ، وَجِهَادُ الْكُفَّارِ أَخَصُّ بِالْيَدِ، وَجِهَادُ الْمُنَافِقِينَ أَخَصُّ بِاللِّسَانِ.
فَصْلٌ
وَأَمَّا جِهَادُ أَرْبَابِ الظُّلْمِ وَالْبِدَعِ وَالْمُنْكَرَاتِ فَثَلَاثُ مَرَاتِبَ، الْأُولَى: بِالْيَدِ إِذَا قَدَرَ، فَإِنْ عَجَزَ انْتَقَلَ إِلَى اللِّسَانِ، فَإِنْ عَجَزَ جَاهَدَ بِقَلْبِهِ، فَهَذِهِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ مَرْتَبَةً مِنَ الْجِهَادِ، وَ ( «مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ بِالْغَزْوِ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنَ النِّفَاقِ» ) .
فَصْلٌ
وَلَا يَتِمُّ الْجِهَادُ إِلَّا بِالْهِجْرَةِ، وَلَا الْهِجْرَةُ وَالْجِهَادُ إِلَّا بِالْإِيمَانِ، وَالرَّاجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ هُمُ الَّذِينَ قَامُوا بِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ. قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 218] [الْبَقَرَةِ: 218] .