وَقَدْ سَلَكَ الْمَانِعُونَ مِنَ الْفَسْخِ طَرِيقَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ، نَذْكُرُهُمَا وَنُبَيِّنُ فَسَادَهُمَا.
الطَّرِيقَةُ الْأُولَى: قَالُوا: إِذَا اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي جَوَازِ الْفَسْخِ، فَالِاحْتِيَاطُ يَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنْهُ صِيَانَةً لِلْعِبَادَةِ عَمَّا لَا يَجُوزُ فِيهَا عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، بَلْ أَكْثَرُهُمْ.
وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُمْ بِالْفَسْخِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ جَوَازَ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَكْرَهُونَ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَكَانُوا يَقُولُونَ إِذَا بَرَأَ الدَّبَرُ، وَعَفَا الْأَثَرُ، وَانْسَلَخَ صَفَرُ، فَقَدْ حَلَّتِ الْعُمْرَةُ لِمَنِ اعْتَمَرَ فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْفَسْخِ؛ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ جَوَازَ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَهَاتَانِ الطَّرِيقَتَانِ بَاطِلَتَانِ.
أَمَّا الْأُولَى: فَلِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ إِنَّمَا يُشْرَعُ، إِذَا لَمْ تَتَبَيِّنِ السُّنَّةُ، فَإِذَا تَبَيَّنَتْ فَالِاحْتِيَاطُ هُوَ اتِّبَاعُهَا وَتَرْكُ مَا خَالَفَهَا; فَإِنْ كَانَ تَرْكُهَا لِأَجْلِ الِاخْتِلَافِ احْتِيَاطًا، فَتَرْكُ مَا خَالَفَهَا وَاتِّبَاعُهَا، أَحْوَطُ وَأَحْوَطُ، فَالِاحْتِيَاطُ نَوْعَانِ: احْتِيَاطٌ لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ، وَاحْتِيَاطٌ لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ السُّنَّةِ، وَلَا يَخْفَى رُجْحَانُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ الِاحْتِيَاطَ مُمْتَنِعٌ هُنَا، فَإِنَّ لِلنَّاسِ فِي الْفَسْخِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ مُحَرَّمٌ.