قَالَ: وَأَيْضًا، فَإِنَّ حَدِيثَيْ أبي الأسود ويحيى مَوْقُوفَانِ غَيْرُ مُسْنَدَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا إِنَّمَا ذَكَرَا عَنْهَا فِعْلَ مَنْ فَعَلَ مَا ذَكَرَتْ دُونَ أَنْ يَذْكُرَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُمْ أَنْ لَا يَحِلُّوا، وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَلَوْ صَحَّ مَا ذَكَرَاهُ، وَقَدْ صَحَّ أَمْرُ النِّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مَنْ لَا هَدْيَ مَعَهُ بِالْفَسْخِ، فَتَمَادَى الْمَأْمُورُونَ بِذَلِكَ، وَلَمْ يَحِلُّوا لَكَانُوا عُصَاةً لِلَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ أَعَاذَهُمُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ، وَبَرَّأَهُمْ مِنْهُ، فَثَبَتَ يَقِينًا أَنَّ حَدِيثَ أبي الأسود ويحيى إِنَّمَا عُنِيَ فِيهِمَا: مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ، وَهَكَذَا جَاءَتِ الْأَحَادِيثُ الصِّحَاحُ الَّتِي أَوْرَدْنَاهَا بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ مَنْ مَعَهُ الْهَدْيُ بِأَنْ يَجْمَعَ حَجًّا مَعَ الْعُمْرَةِ، ثُمَّ لَا يَحِلَّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا.
ثُمَّ سَاقَ مِنْ طَرِيقِ مالك عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عروة، عَنْهَا تَرْفَعُهُ ( «مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ، فَلْيُهْلِلْ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، ثُمَّ لَا يَحِلَّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا» ) ، قَالَ: فَهَذَا الْحَدِيثُ كَمَا تَرَى مِنْ طَرِيقِ عروة عَنْ عائشة يُبَيِّنُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ الْمُرَادُ بِلَا شَكٍّ فِي حَدِيثِ أبي الأسود عَنْ عروة، وَحَدِيثِ يحيى عَنْ عائشة، وَارْتَفَعَ الْآنَ الْإِشْكَالُ جُمْلَةً، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
قَالَ: وَمِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ فِي حَدِيثِ أبي الأسود حَذْفًا قَوْلُهُ فِيهِ: عَنْ عروة " أَنَّ أُمَّهُ وَخَالَتَهُ والزبير، أَقْبَلُوا بِعُمْرَةٍ فَقَطْ، فَلَمَّا مَسَحُوا الرُّكْنَ حَلُّوا ". وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ أَنَّ مَنْ أَقْبَلَ بِعُمْرَةٍ لَا يَحِلُّ بِمَسْحِ الرُّكْنِ، حَتَّى يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ بَعْدَ مَسْحِ الرُّكْنِ، فَصَحَّ أَنَّ فِي الْحَدِيثِ حَذْفًا بَيَّنَهُ سَائِرُ الْأَحَادِيثِ الصِّحَاحِ الَّتِي ذَكَرْنَا، وَبَطَلَ التَّشْغِيبُ بِهِ جُمْلَةً، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
فَصْلٌ
وَأَمَّا مَا فِي حَدِيثِ أبي الأسود، عَنْ عروة مِنْ فِعْلِ أبي بكر، وعمر، وَالْمُهَاجِرِينَ، وَالْأَنْصَارِ، وَابْنِ عُمَرَ، فَقَدْ أَجَابَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، فَأَحْسَنَ جَوَابَهُ