(وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِمَنْ كَانَ يُعَارِضُهُ فِيهَا بأبي بكر وعمر: يُوشِكُ أَنْ تَنْزِلَ عَلَيْكُمْ حِجَارَةٌ مِنَ السَّمَاءِ، أَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَتَقُولُونَ قَالَ أبو بكر وعمر) . فَهَذَا جَوَابُ الْعُلَمَاءِ لَا جَوَابُ مَنْ يَقُولُ عثمان وأبو ذر أَعْلَمُ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مِنْكُمْ، فَهَلَّا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: أبو بكر وعمر أَعْلَمُ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مِنَّا، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَا أَحَدٌ مِنَ التَّابِعِينَ يَرْضَى بِهَذَا الْجَوَابِ فِي دَفْعِ نَصٍّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُمْ كَانُوا أَعْلَمَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَأَتْقَى لَهُ مِنْ أَنْ يُقَدِّمُوا عَلَى قَوْلِ الْمَعْصُومِ رَأْيَ غَيْرِ الْمَعْصُومِ، ثُمَّ قَدْ ثَبَتَ النَّصُّ عَنِ الْمَعْصُومِ بِأَنَّهَا بَاقِيَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَقَدْ قَالَ بِبَقَائِهَا: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وأبو موسى، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَجُمْهُورُ التَّابِعِينَ
وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ رَأْيٌ مَحْضٌ لَا يُنْسَبُ إِلَى أَنَّهُ مَرْفُوعٌ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا نَهَى عَنْهَا قَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! مَا أَحْدَثْتَ فِي شَأْنِ النُّسُكِ؟ فَقَالَ: إِنْ نَأْخُذْ بِكِتَابِ رَبِّنَا، فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] [الْبَقَرَةِ 196] ، وَإِنْ نَأْخُذْ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَحِلَّ حَتَّى نَحَرَ، فَهَذَا اتِّفَاقٌ مِنْ أبي موسى وعمر عَلَى أَنَّ مَنْعَ الْفَسْخِ إِلَى الْمُتْعَةِ وَالْإِحْرَامِ بِهَا ابْتِدَاءً، إِنَّمَا هُوَ رَأْيٌ مِنْهُ أَحْدَثَهُ فِي النُّسُكِ لَيْسَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَإِنِ اسْتَدَلَّ لَهُ بِمَا اسْتَدَلَّ.
وأبو موسى كَانَ يُفْتِي النَّاسَ بِالْفَسْخِ فِي خِلَافَةِ أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كُلِّهَا، وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عمر حَتَّى فَاوَضَ عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي نَهْيِهِ عَنْ ذَلِكَ، وَاتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ رَأْيٌ أَحْدَثَهُ عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي النُّسُكِ، ثُمَّ صَحَّ عَنْهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ.