بِالْحَجِّ) فَلَعَلَّ هَؤُلَاءِ حَمَلُوهُ عَلَى الْمَعْنَى، وَقَالُوا: (أَفْرَدَ الْحَجَّ) وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعُمْرَةَ إِذَا دَخَلَتْ فِي الْحَجِّ فَمَنْ قَالَ: (أَهَلَّ بِالْحَجِّ) ، لَا يُنَاقِضُ مَنْ قَالَ: أَهَلَّ بِهِمَا، بَلْ هَذَا فَصَّلَ وَذَاكَ أَجْمَلَ.
وَمَنْ قَالَ: (أَفْرَدَ الْحَجَّ) يَحْتَمِلُ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ، وَلَكِنْ هَلْ قَالَ أَحَدٌ قَطُّ عَنْهُ: إِنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: " لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ مُفْرَدَةٍ "، هَذَا مَا لَا سَبِيلَ إِلَيْهِ، حَتَّى لَوْ وُجِدَ ذَلِكَ لَمْ يُقَدَّمْ عَلَى تِلْكَ الْأَسَاطِينِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَالَّتِي لَا سَبِيلَ إِلَى دَفْعِهَا الْبَتَّةَ، وَكَانَ تَغْلِيطُ هَذَا أَوْ حَمْلُهُ عَلَى أَوَّلِ الْإِحْرَامِ وَأَنَّهُ صَارَ قَارِنًا فِي أَثْنَائِهِ مُتَعَيِّنًا، فَكَيْفَ وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ، وَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «قَرَنَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ» . رَوَاهُ زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ، عَنْ عبد الله بن أبي زياد القطواني، عَنْ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ، عَنْ سفيان. وَلَا تَنَاقُضَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ: أَهَلَّ بِالْحَجِّ، وَأَفْرَدَ بِالْحَجِّ وَلَبَّى بِالْحَجِّ كَمَا تَقَدَّمَ.
فَصْلٌ
فَحَصَلَ التَّرْجِيحُ لِرِوَايَةِ مَنْ رَوَى الْقِرَانَ لِوُجُوهٍ عَشَرَةٍ.
أَحَدُهَا: أَنَّهُمْ أَكْثَرُ كَمَا تَقَدَّمَ.
الثَّانِي: أَنَّ طُرُقَ الْإِخْبَارِ بِذَلِكَ تَنَوَّعَتْ كَمَا بَيَّنَّاهُ.
الثَّالِثُ: أَنَّ فِيهِمْ مَنْ أَخْبَرَ عَنْ سَمَاعِهِ وَلَفْظِهِ صَرِيحًا، وَفِيهِمْ مَنْ أَخْبَرَ عَنْ إِخْبَارِهِ عَنْ نَفْسِهِ بِأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ وَفِيهِمْ مَنْ أَخْبَرَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ لَهُ بِذَلِكَ وَلَمْ يَجِئْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي الْإِفْرَادِ.
الرَّابِعُ: تَصْدِيقُ رِوَايَاتِ مَنْ رَوَى أَنَّهُ اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرٍ لَهَا.
الْخَامِسُ: أَنَّهَا صَرِيحَةٌ لَا تَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ بِخِلَافِ رِوَايَاتِ الْإِفْرَادِ.
السَّادِسُ: أَنَّهَا مُتَضَمِّنَةٌ زِيَادَةً سَكَتَ عَنْهَا أَهْلُ الْإِفْرَادِ أَوْ نَفَوْهَا، وَالذَّاكِرُ