وَرَجَّحَتْ هَذِهِ الطَّائِفَةُ هَذَا التَّأْوِيلَ، بِأَنَّ الصَّائِمَ لَمَّا ضَيَّقَ عَلَى نَفْسِهِ مَسَالِكَ الشَّهَوَاتِ وَطُرُقَهَا بِالصَّوْمِ ضَيَّقَ اللَّهُ عَلَيْهِ النَّارَ، فَلَا يَبْقَى لَهُ فِيهَا مَكَانٌ، لِأَنَّهُ ضَيَّقَ طُرُقَهَا عَنْهُ، وَرَجَّحَتِ الطَّائِفَةُ الْأُولَى تَأْوِيلَهَا بِأَنْ قَالَتْ: لَوْ أَرَادَ هَذَا الْمَعْنَى لَقَالَ: ضُيِّقَتْ عَنْهُ، وَأَمَّا التَّضْيِيقُ عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ إِلَّا وَهُوَ فِيهَا.
قَالُوا: وَهَذَا التَّأْوِيلُ مُوَافِقٌ لِأَحَادِيثِ كَرَاهَةِ صَوْمِ الدَّهْرِ، وَأَنَّ فَاعِلَهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يَصُمْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَصْلٌ ( «وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِهِ فَيَقُولُ: " هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟ " فَإِنْ قَالُوا: لَا. قَالَ: " إِنِّي إِذًا صَائِمٌ " فَيُنْشِئُ النِّيَّةَ لِلتَّطَوُّعِ مِنَ النَّهَارِ» ) وَكَانَ أَحْيَانًا يَنْوِي صَوْمَ التَّطَوُّعِ ثُمَّ يُفْطِرُ بَعْدُ، أَخْبَرَتْ عَنْهُ عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بِهَذَا وَهَذَا، فَالْأَوَّلُ فِي " صَحِيحِ مسلم "، وَالثَّانِي: فِي " كِتَابِ النَّسَائِيِّ ". وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي فِي " السُّنَنِ " عَنْ عائشة: ( «كُنْتُ أَنَا وحفصة صَائِمَتَيْنِ، فَعَرَضَ لَنَا طَعَامٌ اشْتَهَيْنَاهُ،