فَصْلٌ
وَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرِهِ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْفَرْضِ، وَلَمْ يُحْفَظْ عَنْهُ أَنَّهُ صَلَّى سُنَّةَ الصَّلَاةِ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا إِلَّا مَا كَانَ مِنَ الْوِتْرِ، وَسُنَّةِ الْفَجْرِ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَدَعَهُمَا حَضَرًا وَلَا سَفَرًا. قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ: فَقَالَ: ( «صَحِبْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ أَرَهُ يُسَبِّحُ فِي السَّفَرِ، وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] » ) [الْأَحْزَابِ: 21] وَمُرَادُهُ بِالتَّسْبِيحِ: السُّنَّةُ الرَّاتِبَةُ، وَإِلَّا فَقَدَ صَحَّ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يُسَبِّحُ عَلَى ظَهْرِ رَاحِلَتِهِ حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ.
وَفِي " الصِّحِيحَيْنِ " عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: ( «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي السَّفَرِ عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ يُومِئُ إِيمَاءً صَلَاةَ اللَّيْلِ، إِلَّا الْفَرَائِضَ وَيُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ» ) .
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَتَنَفَّلُ لَيْلًا وَهُوَ يَقْصُرُ، وَفِي " الصِّحِيحَيْنِ ": عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، أَنَّهُ ( «رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي السُّبْحَةَ بِاللَّيْلِ فِي السَّفَرِ عَلَى ظَهْرِ رَاحِلَتِهِ» ) فَهَذَا قِيَامُ اللَّيْلِ.
وَسُئِلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنِ التَّطَوُّعِ فِي السَّفَرِ؟ فَقَالَ: أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِالتَّطَوُّعِ فِي السَّفَرِ بَأْسٌ، وَرُوِيَ عَنِ الحسن قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَافِرُونَ فَيَتَطَوَّعُونَ قَبْلَ الْمَكْتُوبَةِ وَبَعْدَهَا، وَرُوِيَ هَذَا عَنْ