" بُصْرَى " ثُمَّ رَجَعَ فَتَزَوَّجَ عَقِبَ رُجُوعِهِ خديجة بنت خويلد، وَقِيلَ تَزَوَّجَهَا وَلَهُ ثَلَاثُونَ سَنَةً، وَقِيلَ إِحْدَى وَعِشْرُونَ، وَسِنُّهَا أَرْبَعُونَ، وَهِيَ أَوَّلُ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا، وَأَوَّلُ امْرَأَةٍ مَاتَتْ مِنْ نِسَائِهِ، وَلَمْ يَنْكِحْ عَلَيْهَا غَيْرَهَا، وَأَمَرَهُ جِبْرِيلُ أَنْ يَقْرَأَ عَلَيْهَا السَّلَامَ مِنْ رَبِّهَا.
ثُمَّ حَبَّبَ اللَّهُ إِلَيْهِ الْخَلْوَةَ وَالتَّعَبُّدَ لِرَبِّهِ، وَكَانَ يَخْلُو بِـ " غَارِ حِرَاءٍ " يَتَعَبَّدُ فِيهِ اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ، وَبُغِّضَتْ إِلَيْهِ الْأَوْثَانُ وَدِينُ قَوْمِهِ، فَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَبْغَضَ إِلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ.
فَلَمَّا كَمُلَ لَهُ أَرْبَعُونَ، أَشْرَقَ عَلَيْهِ نُورُ النُّبُوَّةِ وَأَكْرَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِرِسَالَتِهِ، وَبَعَثَهُ إِلَى خَلْقِهِ وَاخْتَصَّهُ بِكَرَامَتِهِ، وَجَعَلَهُ أَمِينَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عِبَادِهِ. وَلَا خِلَافَ أَنَّ مَبْعَثَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَاخْتُلِفَ فِي شَهْرِ الْمَبْعَثِ. فَقِيلَ: لِثَمَانٍ مَضَيْنَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ مِنْ عَامِ الْفِيلِ، هَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ، وَقِيلَ: بَلْ كَانَ ذَلِكَ فِي رَمَضَانَ، وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة: 185] [الْبَقَرَةِ: 185] قَالُوا: أَوَّلُ مَا أَكْرَمَهُ اللَّهُ