فَأَيُّ ضَرُورَةٍ وَحَاجَةٍ فُرِضَتْ، فَضَرُورَةُ الْعَبْدِ وَحَاجَتُهُ إِلَى الرُّسُلِ فَوْقَهَا بِكَثِيرٍ. وَمَا ظَنُّكَ بِمَنْ إِذَا غَابَ عَنْكَ هَدْيُهُ وَمَا جَاءَ بِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ فَسَدَ قَلْبُكَ، وَصَارَ كَالْحُوتِ إِذَا فَارَقَ الْمَاءَ وَوُضِعَ فِي الْمِقْلَاةِ، فَحَالُ الْعَبْدِ عِنْدَ مُفَارَقَةِ قَلْبِهِ لِمَا جَاءَ بِهِ الرُّسُلُ كَهَذِهِ الْحَالِ بَلْ أَعْظَمُ، وَلَكِنْ لَا يُحِسُّ بِهَذَا إِلَّا قَلْبٌ حَيٌّ
وَ
مَا لِجُرْحٍ بِمَيِّتٍ إِيلَامُ
وَإِذَا كَانَتْ سَعَادَةُ الْعَبْدِ فِي الدَّارَيْنِ مُعَلَّقَةً بِهَدْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ نَصَحَ نَفْسَهُ وَأَحَبَّ نَجَاتَهَا وَسَعَادَتَهَا أَنْ يَعْرِفَ مِنْ هَدْيِهِ وَسِيرَتِهِ وَشَأْنِهِ مَا يَخْرُجُ بِهِ عَنِ الْجَاهِلِينَ بِهِ، وَيَدْخُلُ بِهِ فِي عِدَادِ أَتْبَاعِهِ وَشِيعَتِهِ وَحِزْبِهِ، وَالنَّاسُ فِي هَذَا بَيْنَ مُسْتَقِلٍّ وَمُسْتَكْثِرٍ وَمَحْرُومٍ، وَالْفَضْلُ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ.
فَصْلٌ
وَهَذِهِ كَلِمَاتٌ يَسِيرَةٌ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ مَعْرِفَتِهَا مَنْ لَهُ أَدْنَى هِمَّةٍ إِلَى مَعْرِفَةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسِيرَتِهِ وَهَدْيِهِ، اقْتَضَاهَا الْخَاطِرُ الْمَكْدُودُ عَلَى عُجَرِهِ وَبُجَرِهِ، مَعَ الْبِضَاعَةِ الْمُزْجَاةِ الَّتِي لَا تَنْفَتِحُ لَهَا أَبْوَابُ السُّدَدِ، وَلَا يَتَنَافَسُ فِيهَا الْمُتَنَافِسُونَ مَعَ تَعْلِيقِهَا فِي حَالِ السَّفَرِ لَا الْإِقَامَةِ، وَالْقَلْبُ بِكُلِّ وَادٍ مِنْهُ شُعْبَةٌ، وَالْهِمَّةُ قَدْ تَفَرَّقَتْ