الْمَعْدُومِ الْمَجْهُولِ لَا تَصِحُّ، وَإِنَّمَا هُوَ عَارِيَّةُ الشَّاةِ لِلِانْتِفَاعِ بِلَبَنِهَا كَمَا يُعِيرُهُ الدَّابَّةَ لِرُكُوبِهَا، فَهَذَا إِبَاحَةٌ لِلِانْتِفَاعِ بِدَرِّهَا، وَكِلَاهُمَا فِي الشَّرْعِ وَاحِدٌ، وَمَا جَازَ أَنْ يُسْتَوْفَى بِالْعَارِيَّةِ جَازَ أَنْ يُسْتَوْفَى بِالْإِجَارَةِ، فَإِنَّ مَوْرِدَهُمَا وَاحِدٌ، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ فِي التَّبَرُّعِ بِهَذَا وَالْمُعَاوَضَةِ عَلَى الْآخَرِ.
وَالْوَجْهُ الثَّامِنُ: مَا رَوَاهُ حَرْبٌ الْكَرْمَانِيُّ فِي " مَسَائِلِهِ ": حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ تُوُفِّيَ وَعَلَيْهِ سِتَّةُ آلَافِ دِرْهَمٍ دَيْنٌ، فَدَعَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " غُرَمَاءَهُ، فَقَبَلَهُمْ أَرْضَهُ سَنَتَيْنِ "، وَفِيهَا الشَّجَرُ وَالنَّخْلُ، وَحَدَائِقُ الْمَدِينَةِ الْغَالِبُ عَلَيْهَا النَّخْلُ وَالْأَرْضُ الْبَيْضَاءُ فِيهَا قَلِيلٌ، فَهَذَا إِجَارَةُ الشَّجَرِ لِأَخْذِ ثَمَرِهَا، وَمَنِ ادَّعَى أَنَّ ذَلِكَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ، فَمِنْ عَدَمِ عِلْمِهِ، بَلِ ادَّعَاءُ الْإِجْمَاعِ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ أَقْرَبُ، فَإِنَّ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَعَلَ ذَلِكَ بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ بِمَشْهَدِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَهِيَ قِصَّةٌ فِي مَظِنَّةِ الِاشْتِهَارِ، وَلَمْ يُقَابِلْهَا أَحَدٌ بِالْإِنْكَارِ، بَلْ تَلَقَّاهَا الصَّحَابَةُ بِالتَّسْلِيمِ وَالْإِقْرَارِ، وَقَدْ كَانُوا يُنْكِرُونَ مَا هُوَ دُونَهَا وَإِنْ فَعَلَهُ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ وَغَيْرُهُ شَأْنَ مُتْعَةِ الْحَجِّ وَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ هَذِهِ الْوَاقِعَةَ، وَسَنُبَيِّنُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهَا مَحْضُ الْقِيَاسِ، وَأَنَّ الْمَانِعِينَ مِنْهَا لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْهَا، وَأَنَّهُمْ يَتَحَيَّلُونَ عَلَيْهَا بِحِيَلٍ لَا تَجُوزُ.
الْوَجْهُ التَّاسِعُ: أَنَّ الْمُسْتَوْفَى بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ عَلَى زَرْعِ الْأَرْضِ هُوَ عَيْنٌ مِنَ الْأَعْيَانِ وَهُوَ الْمَغَلُّ الَّذِي يَسْتَغِلُّهُ الْمُسْتَأْجِرُ، وَلَيْسَ لَهُ مَقْصُودٌ فِي مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ