قَالُوا، فَأَخْبَرَهُمْ: أَنَّ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الشَّيَاطِينِ، يُلْقُونَ إِلَيْهِمُ الْكَلِمَةَ تَكُونُ حَقًّا، فَيَزِيدُونَ هُمْ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ فَيُصَدَّقُونَ مِنْ أَجْلِ تِلْكَ الْكَلِمَةِ.
وَأَمَّا أَصْحَابُ الْمَلَاحِمِ فَرَكَّبُوا مَلَاحِمَهُمْ مِنْ أَشْيَاءَ.
أَحَدُهَا: مِنْ أَخْبَارِ الْكُهَّانِ.
وَالثَّانِي: مِنْ أَخْبَارٍ مَنْقُولَةٍ عَنِ الْكُتُبِ السَّالِفَةِ مُتَوَارَثَةٍ بَيْنَ أَهْلِ الْكِتَابِ.
وَالثَّالِثُ: مِنْ أُمُورٍ أَخْبَرَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا.
وَالرَّابِعُ: مِنْ أُمُورٍ أَخْبَرَ بِهَا مَنْ لَهُ كَشْفٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ.
وَالْخَامِسُ: مِنْ مَنَامَاتٍ مُتَوَاطِئَةٍ عَلَى أَمْرٍ كُلِّيٍّ وَجُزْئِيٍّ. فَالْجُزْئِيُّ: يَذْكُرُونَهُ بِعَيْنِهِ، وَالْكُلِّيُّ: يُفَصِّلُونَهُ بِحَدْسٍ وَقَرَائِنَ تَكُونُ حَقًّا أَوْ تُقَارِبُ.
وَالسَّادِسُ: مِنِ اسْتِدْلَالٍ بِآثَارِ عُلْوِيَّةٍ جَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَامَاتٍ وَأَدِلَّةً وَأَسْبَابًا لِحَوَادِثَ أَرْضِيَّةٍ لَا يَعْلَمُهَا أَكْثَرُ النَّاسِ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَخْلُقْ شَيْئًا سُدًى وَلَا عَبَثًا. وَرَبَطَ سُبْحَانَهُ الْعَالَمَ الْعُلْوِيَّ بِالسُّفْلِيِّ، وَجَعَلَ عُلْوِيَّهُ مُؤَثِّرًا فِي سُفْلِيِّهِ دُونَ الْعَكْسِ، فَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، وَإِنْ كَانَ كُسُوفُهُمَا لِسَبَبِ شَرٍّ يَحْدُثُ فِي الْأَرْضِ؛ وَلِهَذَا شَرَعَ سُبْحَانَهُ تَغْيِيرَ الشَّرِّ عِنْدَ كُسُوفِهِمَا بِمَا يَدْفَعُ ذَلِكَ الشَّرَّ الْمُتَوَقَّعَ مِنَ الصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَالْعِتْقِ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تُعَارِضُ أَسْبَابَ الشَّرِّ، وَتُقَاوِمُهَا وَتَدْفَعُ مُوجِبَاتِهَا إِنْ قَوِيَتْ عَلَيْهَا.
وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ حَرَكَةَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَاخْتِلَافَ مَطَالِعِهِمَا سَبَبًا لِلْفُصُولِ الَّتِي هِيَ سَبَبُ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ، وَالشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ، وَمَا يَحْدُثُ فِيهِمَا مِمَّا يَلِيقُ بِكُلِّ فَصْلٍ مِنْهَا، فَمَنْ لَهُ اعْتِنَاءٌ بِحَرَكَاتِهِمَا، وَاخْتِلَافِ مَطَالِعِهِمَا، يَسْتَدِلُّ