تُفْتَحَ لِأَحَدٍ إِلَّا مِنْ طَرِيقِهِ، فَشَرَحَ لَهُ صَدْرَهُ، وَرَفَعَ لَهُ ذِكْرَهُ، وَوَضَعَ عَنْهُ وِزْرَهُ، وَجَعَلَ الذِّلَّةَ وَالصَّغَارَ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرَهُ. فَفِي " الْمُسْنَدِ " مِنْ حَدِيثِ أبي منيب الجرشي، عَنْ عبد الله بن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «بُعِثْتُ بِالسَّيْفِ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ حَتَّى يُعْبَدَ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي، وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» ) وَكَمَا أَنَّ الذِّلَّةَ مَضْرُوبَةٌ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرَهُ، فَالْعِزَّةُ لِأَهْلِ طَاعَتِهِ وَمُتَابَعَتِهِ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139] [آلِ عِمْرَانَ: 139] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون: 8] [الْمُنَافِقُونَ: 8] . وَقَالَ تَعَالَى: {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ} [محمد: 35] [مُحَمَّدٍ: 35] . وَقَالَ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 64] [الْأَنْفَالِ: 64] . أَيِ: اللَّهُ وَحْدَهُ كَافِيكَ، وَكَافِي أَتْبَاعَكَ، فَلَا تَحْتَاجُونَ مَعَهُ إِلَى أَحَدٍ.

وَهُنَا تَقْدِيرَانِ، أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ عَاطِفَةً لِـ" مَنْ " عَلَى الْكَافِ الْمَجْرُورَةِ، وَيَجُوزُ الْعَطْفُ عَلَى الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ بِدُونِ إِعَادَةِ الْجَارِّ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ، وَشَوَاهِدُهُ كَثِيرَةٌ وَشُبَهُ الْمَنْعِ مِنْهُ وَاهِيَةٌ.

وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ وَاوَ " مَعَ " وَتَكُونَ " مَنْ " فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَطْفًا عَلَى الْمَوْضِعِ، فَإِنَّ " حَسْبَكَ " فِي مَعْنَى " كَافِيكَ " أَيِ اللَّهُ يَكْفِيكَ وَيَكْفِي مَنِ اتَّبَعَكَ كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ: حَسْبُكَ وَزَيْدًا دِرْهَمٌ، قَالَ الشَّاعِرُ:

إِذَا كَانَتِ الْهَيْجَاءُ وَانْشَقَّتِ الْعَصَا ... فَحَسْبُكَ وَالضَّحَّاكَ سَيْفٌ مُهَنَّدُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015