وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ: «أَنَّ ملك أيلة أَهْدَى لَهُ بَغْلَةً بَيْضَاءَ، فَكَسَاهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُرْدَةً، وَكَتَبَ لَهُ بِبَحْرِهِمْ» .
وَأَهْدَى لَهُ أبو سفيان هَدِيَّةً فَقَبِلَهَا.
وَذَكَرَ أبو عبيد: ( «أَنَّ عامر بن مالك مُلَاعِبَ الْأَسِنَّةِ أَهْدَى لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسًا، فَرَدَّهُ وَقَالَ: إِنَّا لَا نَقْبَلُ هَدِيَّةَ مُشْرِكٍ، وَكَذَلِكَ قَالَ لعياض المجاشعي: إِنَّا لَا نَقْبَلُ زَبَدَ الْمُشْرِكِينَ» ) ، يَعْنِي: رِفْدَهُمْ.
قَالَ أبو عبيد: وَإِنَّمَا قَبِلَ هَدِيَّةَ أبي سفيان؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ فِي مُدَّةِ الْهُدْنَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِ مَكَّةَ، وَكَذَلِكَ المقوقس صاحب الإسكندرية، إِنَّمَا قَبِلَ هَدِيَّتَهُ لِأَنَّهُ أَكْرَمَ حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ رَسُولَهُ إِلَيْهِ، وَأَقَرَّ بِنُبُوَّتِهِ وَلَمْ يُؤَيَّسْهُ مِنْ إِسْلَامِهِ، وَلَمْ يَقْبَلْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَدِيَّةَ مُشْرِكٍ مُحَارِبٍ لَهُ قَطُّ.
فَصْلٌ
وَأَمَّا حُكْمُ هَدَايَا الْأَئِمَّةِ بَعْدَهُ، فَقَالَ سَحْنُونٌ مِنْ أَصْحَابِ مالك: إِذَا أَهْدَى أَمِيرُ الرُّومِ هَدِيَّةً إِلَى الْإِمَامِ فَلَا بَأْسَ بِقَبُولِهَا، وَتَكُونُ لَهُ خَاصَّةً، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: تَكُونُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَيُكَافِئُهُ عَلَيْهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَصْحَابُهُ: مَا أَهْدَاهُ الْكُفَّارُ لِلْإِمَامِ أَوْ لِأَمِيرِ الْجَيْشِ أَوْ قُوَّادِهِ فَهُوَ غَنِيمَةٌ حُكْمُهَا حُكْمُ الْغَنَائِمِ.