فَإِنْ نَكَلُوا، حُلِّفَ الْمُدَّعُونَ، وَاسْتَحَقُّوا، فَإِنْ نَكَلَ الْفَرِيقَانِ، كَانَتِ الدِّيَةُ نِصْفُهَا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ، وَبَطَلَ النِّصْفُ إِذَا لَمْ يَحْلِفُوا» .
وَقَدْ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ المروزي عَلَى الْقَوْلِ بِمِثْلِ رِوَايَةِ أبي سعيد، فَقَالَ: قُلْتُ لأبي عبد الله: الْقَوْمُ إِذَا أُعْطُوا الشَّيْءَ، فَتَبَيَّنُوا أَنَّهُ ظُلِمَ فِيهِ قَوْمٌ؟ فَقَالَ: يُرَدُّ عَلَيْهِمْ إِنْ عُرِفَ الْقَوْمُ. قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يُعْرَفُوا؟ قَالَ: يُفَرَّقُ عَلَى مَسَاكِينِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، فَقُلْتُ: فَمَا الْحُجَّةُ فِي أَنْ يُفَرَّقَ عَلَى مَسَاكِينِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ؟ فَقَالَ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَعَلَ الدِّيَةَ عَلَى أَهْلِ الْمَكَانِ يَعْنِي الْقَرْيَةَ الَّتِي وُجِدَ فِيهَا الْقَتِيلُ، فَأَرَاهُ قَالَ: كَمَا أَنَّ عَلَيْهِمُ الدِّيَةَ هَكَذَا يُفَرَّقُ فِيهِمْ، يَعْنِي: إِذَا ظُلِمَ قَوْمٌ مِنْهُمْ وَلَمْ يُعْرَفُوا، فَهَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدْ قَضَى بِمُوجِبِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَجَعَلَ الدِّيَةَ عَلَى أَهْلِ الْمَكَانِ الَّذِي وُجِدَ فِيهِ الْقَتِيلُ، وَاحْتَجَّ بِهِ أحمد وَجَعَلَ هَذَا أَصْلًا فِي تَفْرِيقِ الْمَالِ الَّذِي ظُلِمَ فِيهِ أَهْلُ ذَلِكَ الْمَكَانِ عَلَيْهِمْ إِذَا لَمْ يُعْرَفُوا بِأَعْيَانِهِمْ.
وَأَمَّا الْأَثَرُ الْآخَرُ، فَمُرْسَلٌ لَا تَقُومُ بِمِثْلِهِ حُجَّةٌ، وَلَوْ صَحَّ تَعَيَّنَ الْقَوْلُ بِمِثْلِهِ، وَلَمْ تَجُزْ مُخَالَفَتُهُ، وَلَا يُخَالِفُ بَابَ الدَّعَاوَى، وَلَا بَابَ الْقَسَامَةِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِمْ لَوْثٌ ظَاهِرٌ يُوجِبُ تَقْدِيمَ الْمُدَّعِينَ، فَيُقَدَّمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ فِي الْيَمِينِ، فَإِذَا نَكَلُوا، قَوِيَ جَانِبُ الْمُدَّعِينَ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: وُجُودُ الْقَتِيلِ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ. وَالثَّانِي: نُكُولُهُمْ عَنْ بَرَاءَةِ سَاحَتِهِمْ بِالْيَمِينِ، وَهَذَا يَقُومُ مَقَامَ اللَّوْثِ الظَّاهِرِ، فَيَحْلِفُ الْمُدَّعُونَ، وَيَسْتَحِقُّونَ، فَإِذَا نَكَلَ الْفَرِيقَانِ كِلَاهُمَا، أَوْرَثَ ذَلِكَ شُبْهَةً مُرَكَّبَةً مِنْ نُكُولِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَلَمْ يَنْهَضْ ذَلِكَ سَبَبًا لِإِيجَابِ كَمَالِ الدِّيَةِ عَلَيْهِمْ