ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ عَنْ كريمة بنت المقداد قَالَتْ: سَمِعْتُ أُمِّي ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب تَقُولُ: قَدِمَ وَفْدُ بَهْرَاءَ مِنَ الْيَمَنِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُمْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فَأَقْبَلُوا يَقُودُونَ رَوَاحِلَهُمْ، حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى بَابِ المقداد، وَنَحْنُ فِي مَنَازِلِنَا بِبَنِي حُدَيْلَةَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمُ المقداد، فَرَحَّبَ بِهِمْ فَأَنْزَلَهُمْ وَجَاءَهُمْ بِجَفْنَةٍ مِنْ حَيْسٍ، قَدْ كُنَّا هَيَّأْنَاهَا قَبْلَ أَنْ يَحِلُّوا لِنَجْلِسَ عَلَيْهَا، فَحَمَلَهَا المقداد، وَكَانَ كَرِيمًا عَلَى الطَّعَامِ، فَأَكَلُوا مِنْهَا حَتَّى نَهِلُوا، وَرُدَّتْ إِلَيْنَا الْقَصْعَةُ وَفِيهَا أُكَلٌ، فَجَمَعْنَا تِلْكَ الْأُكَلَ فِي قَصْعَةٍ صَغِيرَةٍ، ثُمَّ بَعَثْنَا بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ سِدْرَةَ مَوْلَاتِي، فَوَجَدَتْهُ فِي بَيْتِ أم سلمة، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «ضباعة أَرْسَلَتْ بِهَذَا؟ قَالَتْ سدرة: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: ضَعِي، ثُمَّ قَالَ: " مَا فَعَلَ ضَيْفُ أبي معبد؟ قُلْتُ: عِنْدَنَا، قَالَتْ: فَأَصَابَ مِنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُكَلًا هُوَ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْبَيْتِ حَتَّى نَهِلُوا، وَأَكَلَتْ مَعَهُمْ سدرة، ثُمَّ قَالَ: اذْهَبِي بِمَا بَقِيَ إِلَى ضَيْفِكُمْ "، قَالَتْ سدرة: فَرَجَعْتُ بِمَا بَقِيَ فِي الْقَصْعَةِ إِلَى مَوْلَاتِي، قَالَتْ: فَأَكَلَ مِنْهَا الضَّيْفُ مَا أَقَامُوا، نُرَدِّدُهَا عَلَيْهِمْ، وَمَا تَغِيضُ حَتَّى جَعَلَ الْقَوْمُ يَقُولُونَ: يَا أبا معبد، إِنَّكَ لَتَنْهَلُنَا مِنْ أَحَبِّ الطَّعَامِ إِلَيْنَا مَا كُنَّا نَقْدِرُ عَلَى مِثْلِ هَذَا إِلَّا فِي الْحِينِ، وَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الطَّعَامَ بِبِلَادِكُمْ إِنَّمَا هُوَ الْعُلْقَةُ أَوْ نَحْوُهُ، وَنَحْنُ عِنْدَكَ فِي الشِّبَعِ. فَأَخْبَرَهُمْ أبو معبد بِخَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَكَلَ مِنْهَا أُكَلًا وَرَدَّهَا، فَهَذِهِ بَرَكَةُ أَصَابِعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَ الْقَوْمُ يَقُولُونَ: نَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، وَازْدَادُوا يَقِينًا. وَذَلِكَ الَّذِي أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ وَأَقَامُوا أَيَّامًا، ثُمَّ جَاءُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوَدِّعُونَهُ، وَأَمَرَ لَهُمْ بِجَوَائِزِهِمْ، وَانْصَرَفُوا إِلَى أَهْلِيهِمْ» )