فإن قيل: لِم آثر القَدَم هاهنا على اليد، والعرب تستعمل اليد في موضع الإِحسان؟

فالجواب: أن القدم ذكرت هاهنا للتقدم، لأن العادة جارية بتقدُّم الساعي على قدميه، والعرب تجعلها كناية عن العمل الذي يُتقدَّم فيه ولا يقع فيه تأخُّر، قال ذو الرمة:

لكم قَدَمٌ لا يُنْكِرُ النَّاسُ أَنَّها ... مع الحَسَب العادِيّ طَمَّتْ على البحر «1»

فإن قيل: ما وجه إِضافة القدم إِلى الصدق؟

فالجواب: أن ذلك مدح للقدم، وكل شيء أضفته إِلى الصدق، فقد مدحته ومثله: أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ «2» وقوله: فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ «3» .

وفي الكلام محذوف تقديره: أن أوحينا إِلى رجل منهم، فلما أتاهم الوحي قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ قرأ ابن كثير، وعاصم، وحمزة، والكسائي: «لَساحر» بألف. وقرأ نافع، وأبو عمرو، وابن عامر: «لَسحر» بغير ألف «4» . قال أبو علي: قد تقدّم قوله تعالى: أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ فمن قال: «ساحر» ، أراد الرجل، ومن قال: «سحر» أراد الذي أوحي سحر، أي: الذين تقولون أنتم فيه: إِنه وحي: سحر. قال الزجاج: لما أنذرهم بالبعث والنشور، فقالوا: هذا سحر، أخبرهم أنّ الذي خلق السماوات والأرض قادر على بعثهم بقوله تعالى: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ وقد سبق تفسيره في سورة الأعراف «5» .

قوله تعالى: يُدَبِّرُ الْأَمْرَ قال مجاهد: يقضيه. وقال غيره: يأمر به ويمضيه.

قوله تعالى: ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ فيه قولان:

أحدهما: لا يشفع أحد إِلا أن يأذن له، قاله ابن عباس. قال الزجاج: لم يَجْرِ للشفيع ذِكر قبل هذا، ولكنَّ الذين خوطبوا كانوا يقولون: الأصنام شفعاؤنا. والثاني: أن المعنى: لا ثانيَ معه، مأخوذ من الشَّفْع «6» ، لأنه لم يكن معه أحد، ثم خلق الأشياء. فقوله تعالى: إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ أي: من بعد أمره أن يكون الخلق فكان. ذكره الماوردي.

قوله تعالى: فَاعْبُدُوهُ: قال مقاتل: وحِّدوه. وقال الزّجّاج: المعنى: فاعبدوه وحده.

وقوله تعالى: تَذَكَّرُونَ معناه: تتّعظون.

[سورة يونس (10) : آية 4]

إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015