قوله تعالى: إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ فتح ياء «إني» ابن كثير، وأبو عمرو. وقرأ ابن كثير، ونافع «برسالتي» قال الزجاج: المعنى: اتخذتك صفوة على الناس برسالاتي وبكلامي، ولو كان إنما سمع كلام غير الله لما قال: «برسالاتي وبكلامي» لأن الملائكة تنزل إلى الأنبياء بكلام الله.
وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْها بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ (145)
قوله تعالى: وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ في ماهية الألواح سبعة أقوال:
أحدها: أنها زبرجد، قاله ابن عباس. والثاني: ياقوت، قاله سعيد بن جبير. والثالث: زمرُّد أخضر، قاله مجاهد. والرابع: بَرَد، قاله أبو العالية. والخامس: خشب، قاله الحسن. والسادس:
صخر، قاله وهب بن منبه. والسابع: زمرد وياقوت، قاله مقاتل. وفي عددها أربعة أقوال: أحدها:
سبعة، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس. والثاني: لوحان، رواه أبو صالح عن ابن عباس، واختاره الفراء. قال: وإنما سماها الله تعالى ألواحاً، على مذهب العرب في إيقاع الجمع على التثنية، كقوله تعالى: وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ «1» يريد داود؟؟؟؟، وسليمان، وقوله تعالى: فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما «2» .
والثالث: عشرة، قاله وهب. والرابع: تسعة، قاله مقاتل.
وفي قوله تعالى: مِنْ كُلِّ شَيْءٍ قولان: أحدهما: من كل شيء يحتاج إليه في دينه من الحلال والحرام والواجب وغيره. والثاني: من الحِكَم والعِبَر.
قوله تعالى: مَوْعِظَةً أي: نهياً عن الجهل. وَتَفْصِيلًا أي: تبييناً لكل شيء من الأمر والنهي والحدود والأحكام. قوله تعالى: فَخُذْها بِقُوَّةٍ فيه ثلاثة أقوال: أحدها: بجدٍّ وحزم، قاله ابن عباس. والثاني: بطاعة، قاله أبو العالية. والثالث: بشكر، قاله جويبر.
قوله تعالى: وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها إن قيل: كأن فيها ما ليس بحسن؟ فعنه جوابان:
أحدهما: أن المعنى: يأخذوا بحسنها، وكلها حَسَن، قاله قطرب، وقال ابن الأنباري: ناب «أحسن» عن «حسن» كما قال الفرزدق:
إِنَّ الَّذِي سَمَكَ السَّمَاءَ بَنى لَنَا ... بَيْتاً دَعَائِمُهُ أَعَزُّ وأَطْوَلُ «3»
أي: عزيزة طويلة. وقال غيره: «الأحسن» ها هنا صلة، والمعنى أن يأخذوا بها.
والثاني: أن بعض ما فيها أحسن من بعض. ثم في ذلك خمسة أقوال: أحدها: أنهم أُمروا فيها بالخير ونُهوا عن الشر، فَفِعْلُ الخير هو الأحسن. والثاني: أنها اشتملت على أشياء حسنة بعضها أحسن من بعض، كالقصاص والعفو والانتصار والصبر، فأُمِروا أن يأخذوا بالأحسن، ذكر القولين الزجاج.
فعلى هذا القول، يكون المعنى: انهم يتبعون العزائم والفضائل، وعلى الذي قبله، يكون المعنى: أنهم يتبعون الموصوف بالحسن وهو الطاعة، ويجتنبون الموصوف بالقبح وهو المعصية. والثالث: أحسنها: