وفي قوله تعالى: لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ قولان: أحدهما: لست من قتالهم في شيء ثم نسخ بآية السيف، وهذا مذهب السدي. والثاني: لست منهم، أي: أنت بريء منهم، وهم منك برآء، إنما أمرهم إلى الله في جزائهم، فتكون الآية محكمة.
مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلاَّ مِثْلَها وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (160)
قوله تعالى: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وقرأ يعقوب، والقزاز عن عبد الوارث: «عَشْرٌ» بالتنوين، «أمثالُها» بالرفع. قال ابن عباس: يريد من عَمِلَها، كتبت له عشر حسنات. وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا جزاء مِثْلَها. وفي الحسنة والسيئة ها هنا قولان:
أحدهما: أن الحسنة: قول لا إله إلا الله. والسيئة: الشرك، قاله ابن مسعود، ومجاهد، والنخعي. والثاني: أنه عام في كل حسنة وسيئة.
(566) روى مسلم في «صحيحه» من حديث أبي ذرّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «يقول الله عزّ وجلّ: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها أو أَزِيدُ، ومن جاء بالسيئة فجزاء سيئة مثلها أو أَغْفِر» .
فان قيل: إذا كانت الحسنة كلمة التوحيد، فأي مثل لها حتى يجعل جزاءُ قائلها عشر أمثالها؟
فالجواب: أن جزاء الحسنة معلوم القدر عند الله، فهو يجازي فاعلها بعشر أمثاله، وكذلك السيئة. وقد أشرنا إلى هذا في (المائدة) عند قوله: فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً «1» . فان قيل: المثل مذكَّر، فلم قال: عَشْرُ أَمْثالِها والهاء إنما تسقط في عدد المؤنث؟ فالجواب: أن الأمثال خلقت حسنات مؤنثة وتلخيص المعني: فله عشر حسنات أمثالها، فسقطت الهاء من عشر، لأنها عدد مؤنَّث، كما تسقط عند قولك: عشر نعال، وعشر جباب.
[سورة الأنعام (6) : آية 161]
قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161)
قوله تعالى: قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ قال الزجاج: أي: دلَّني على الدين الذي هو دين الحق. ثم فسَّر ذلك بقوله: دِيناً قِيَماً قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو: «قيما» مفتوحة القاف،