قوله تعالى: هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ قال الزجاج: أي: هل يقدر. وقرأ الكسائي: «هل تستطيع» بالتاء، ونصْب الرب. قال الفراء: معناه: هل تقدر أن تسأل ربك. قال ابن الأنباري: ولا يجوز لأحدٍ أن يتوهم أن الحواريين شكُّوا في قدرة الله، وإِنما هذا كما يقول الإنسان لصاحبه: هل تستطيع أن تقوم معي، وهو يعلم أنه مستطيع، ولكنّه يريد: هل يسهل عليك. وقال أبو علي: المعنى: هل يفعل ذلك بمسألتك إِيّاه. وزعم بعضهم أنهم قالوا ذلك قبل استحكام إِيمانهم ومعرفتهم، فردَّ عليهم عيسى بقوله:
اتقوا الله، أن تنسبوه إِلى عجز، والأول أصح.
فأما «المائدة» فقال اللغويون: المائدة: كل ما كان عليه من الأخونة «1» طعام، فإذا لم يكن عليه طعام فليس بمائدة، والكأس: كل إِناء فيه شراب فإذا لم يكن فيه شراب، فليس بكأس، ذكره الزجاج.
قال الفراء: وسمعت بعض العرب يقول للطبق الذي تهدى عليه الهدية: هُوَ المُهْدَى، مقصور، ما دامت عليه الهدية، فإذا كان فارغاً رجع إِلى اسمه إِن كان طبقاً أو خواناً أو غير ذلك. وذكر الزجاج عن أبي عبيدة أن لفظها فاعلة، وهي في المعنى مفعولة، مثل عِيشَةٍ راضِيَةٍ. قال أبو عبيدة: وهي من العطاء، والممتاد: المفتعل المطلوب منه العطاء، قال الشاعر:
إِلى أمير المؤمنين الممتادِ «2»
وَمَادَ زيدٌ عَمْراً: إِذا أعطاه. قال الزجاج: والأصل عندي في «مائدة» أنها فاعلةٌ من: ماد يميد: إِذا تحرّك، فكأنها تميد بما عليها. وقال ابن قتيبة: المائدة: الطعام، من: مادني يميدني، كأنها تميد الآكلين، أي: تعطيهم، أو تكون فاعلة بمعنى: مفعول بها، أي: ميد بها الآكلون.
قوله تعالى: اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فيه ثلاثة أقوال: أحدها: اتقوه أن تسألوه البلاء، لأنها إِن نزلت وكذّبتم، عُذبتم، قاله مقاتل. والثاني: أن تسألوه ما لم تسأله الأُمم قبلكم، ذكره أبو عبيد.
والثالث: أن تشكُّوا في قدرته.
قالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ (113)
قوله تعالى: قالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها هذا اعتذار منهم بيّنوا به سبب سؤالهم حين نهوا عنه.
وفي إِرادتهم للأكل منها ثلاثة أقوال: أحدها: أنهم أرادوا ذلك للحاجة، وشدة الجوع، قاله ابن عباس.
والثاني: ليزدادوا إِيماناً، ذكره ابن الأنباري. والثالث: للتبرك بها، ذكره الماورديّ. وفي قوله تعالى:
وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا ثلاثة أقوال: أحدها: تطمئن إِلى أن الله تعالى قد بعثك إِلينا نبياً. والثاني: إِلى أن الله تعالى قد إختارنا أعواناً لك. والثالث: إِلى أن الله تعالى قد أجابك. وقال ابن عباس: قال لهم عيسى:
هل لكم أن تصوموا لله ثلاثين يوماً، ثم لا تسألونه شيئاً إِلا أعطاكم؟ فصاموا، ثم سألوا المائدة.
فمعنى: وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا في أنّا إِذا صمنا ثلاثين يوماً لم نسأل الله شيئاً إِلا أعطانا. وفي هذا العلم قولان: أحدهما: أنه علمٌ يحدث لهم لم يكن، وهو قول مَن قال: كان سؤالهم قبل استحكام معرفتهم. والثاني: أنه زيادة علم إِلى علم، ويقين إِلى يقين، وهو قول من قال: كان سؤالهم بعد