فأما طعامه، ففيه ثلاثة أقوال: أحدها: ما نبذه البحر ميّتاً، قاله أبو بكر، وعمر، وابن عمر، وأبو أيوب، وقتادة. والثاني: أنه مليحه، قاله سعيد بن المسيّب، وسعيد بن جبير والسدّي، وعن ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة كالقولين. واختلفت الرواية عن النخعي. فروي عنه كالقولين، وروي عنه أنه جمع بينهما، فقال: طعامه المليح «1» ، وما لفظه. والثالث: أنه ما نبت بمائة من زروع البرّ، وإِنما قيل لهذا: طعام البحر، لأنه ينبت بمائه، حكاه الزجاج.
وفي المتاع قولان: أحدهما: أنه المنفعة، قاله ابن عباس، والحسن وقتادة. والثاني: أنه الحلّ قاله النخعي. قال مقاتل: متاعاً لكم يعني المقيمين، وللسيارة، يعني المسافرين.
قوله تعالى: وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً أما الاصطياد فمحرّم على المحرم «2» ، فإن صيد لأجله، حَرُم عليه أكله خلافاً لأبي حنيفة، فإن أكل فعليه الضمان خلافاً لأحد قولي الشافعي. فإن ذبح المُحرم صيداً، فهو ميتة، خلافاً لأحد قولي الشافعي أيضاً. فإن ذبح الحلال صيداً في الحرم، فهو ميتة أيضاً، خلافا لأكثر الحنفيّة.
جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (97) اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (98)
قوله تعالى: جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ جعل بمعنى: صيّر. وفي تسمية الكعبة كعبة قولان:
أحدهما: لأنها مربعة، قاله عكرمة، ومجاهد.
والثاني: لعُلوها ونتوئها، يقال: كعبت المرأة كعابة، وهي كاعب، إِذا نتأ ثديها.
ومعنى تسمية البيت بأنه حرام: أنه حَرُم أن يصاد عنده، وأن يختلى ما عنده من الخلا، وأن يُعضَدَ شجرُه، وعظمت حرمته. والمراد بتحريم البيت سائِر الحرم، كما قال: هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ «3» وأراد: الحرم. والقيام: بمعنى القوام. وقرأ ابن عامر: قيما بغير ألف. قال أبو علي: وجهه على أحد أمرين، إِما أن يكون جعله مصدراً، كالشبع. أو حذف الألف وهو يريدها، كما يُقصر الممدود. وفي معنى الكلام ستة أقوال: أحدها: قياماً للدين، ومعالم للحج، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
والثاني: قياماً لأمرِ مَن توجه إِليها، رواه العوفي عن ابن عباس. قال قتادة: كان الرجل لو جرّ كلّ