القيس إذا لقوا الذين آمنوا قالوا: آمنا، ونشهد أن صاحبكم صادق، فاذا خلوا لم يكونوا كذلك، فنزلت هذه الآية (?) . فأما التفسير، فالخديعة: الحيلة والمكر، وسميت خديعة، لأنها تكون في خفاء.
والمخدع: بيت داخل البيت تختفي فيه المرأة، ورجل خادع: إذا فعل الخديعة، سواء حصل مقصوده أو لم يحصل، فاذا حصل مقصوده، قيل: قد خدع. وانخدع الرجل: استجاب للخادع، سواء تعمد الاستجابة أو لم يقصدها، والعرب تسمي الدهر خداعاً، لتلونه بما يخفيه من خير وشر. وفي معنى خداعهم الله خمسة أقوال: أحدها: انهم كانوا يخادعون المؤمنين، فكأنهم خادعوا الله. روي عن ابن عباس واختاره ابن قتيبة. والثاني: انهم كانوا يخادعون نبي الله، فأقام الله نبيه مقامه، كما قال: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ (?) ، قاله الزجاج. والثالث: أن الخادع عند العرب: الفاسد.
وأنشدوا (?) :
[أبيض اللون لذيذ طعمه] (?) ... طيب الريق إِذا الريق خدع
أي: فسد. رواه محمد بن القاسم عن ثعلب عن ابن الاعرابي. قال ابن القاسم: فتأويل:
يخادعون الله: يفسدون ما يظهرون من الايمان بما يضمرون من الكفر.
والرابع: أنهم كانوا يفعلون في دين الله ما لو فعلوه بينهم كان خداعا.
والخامس: أنهم كانوا يخفون كفرهم، ويظهرون الإيمان به.
قوله تعالى: وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ قرأَ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو: «وما يخادعون» وقرأَ الكوفيون، وابن عامر: (يخدعون) ، والمعنى: أن وبال ذلك الخداع عائد عليهم.
ومتى يعود وبال خداعهم عليهم؟ فيه قولان:
أحدهما: في دار الدنيا، وذلك بطريقين: أحدهما: بالاستدراج والإِمهال الذي يزيدهم عذابا.
والثاني: باطلاع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين على أحوالهم التي أسروها.
والقول الثاني: ان عود الخداع عليهم في الآخرة. وفي ذلك قولان: أحدهما: أنه يعود عليهم عند ضرب الحجاب بينهم وبين المؤمنين، وذلك قوله: قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ (?) الآية ... والثاني: أنه يعود عليهم عند اطلاع أهل الجنة عليهم، فاذا رأَوهم طمعوا في نيل راحة من قبلهم، فقالوا: أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ (?) ، فيجيبونهم: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ (?) .
قوله تعالى: وَما يَشْعُرُونَ، أَي: وما يعلمون. وفي الذي لم يشعروا به قولان: