قوله عزّ وجلّ: إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا.
(1315) نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط، بعثه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إِلى بني المصطلق ليِقَبْضِ صدقاتهم، وقد كانت بينه وبينهم عداوة في الجاهليّة، فلما سمع به القوم تلقّوه تعظيما لأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثم إنه رجع إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقال: إنّ بني المصطلق قد منعوا الصدقة وأرادوا قتلي، فصرف رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم البَعْثَ إِليهم، فنزلت هذه الآية.
وقد ذكرتُ القصد في كتاب «المُغني» وفي «الحدائق» مستوفاة، وذكرتُ معنى «فتبيَّنوا» في سورة النساء «1» ، والنَّبأ: الخبر، و «أنْ» بمعنى «لئلاً» ، والجهالة هاهنا: أن يجهل حال القوم، فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ من إِصابتهم بالخطأِ نادِمِينَ. ثم خوَّفهم فقال: وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ أي إِن كَذَبتموه أَخبره اللهُ فافتُضِحْتُم، ثم قال: لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ أي ممّا تخبرونه فيه بالباطل لَعَنِتُّمْ أي لَوَقَعْتُم في عَنََتٍ. قال ابن قتيبة: وهو الضَّرر والفساد. وقال غيره: هو الإِثم والهلاك. وذلك أن المسلمين لمّا سَمِعوا أن أولئك القوم قد كَفَروا قالوا:
(1316) ابْعَثْ إِليهم يا رسولَ الله واغْزُهم واقْتُلهم.
ثم خاطب المؤمنين فقال: وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ إِلى قوله: وَالْعِصْيانَ، ثم عاد إِلى الخبر عنهم فقال: أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ أي: المهتدون إِلى محاسن الأُمور، فَضْلًا مِنَ اللَّهِ قال الزجاج: المعنى: ففعل بكم ذلك فضلاً، أي: للفضل والنّعمة.
وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)