قوله تعالى: وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً وقرأ عكرمة، وأبو الجوزاء، والضحاك، وابن أبي عبلة: «والطَّيْرُ مَحْشُورَةٌ» بالرفع فيهما، أي: مجموعة إليه، تسبِّح اللهَ معه كُلٌّ لَهُ في هاء الكناية قولان: أحدهما:
ترجع إِلى داوُد، أي: كُلٌّ لداود أَوَّابٌ أي: رَجّاعٌ إِلى طاعته وأَمْره، والمعنى: كُلٌّ له مُطِيع بالتسبيح معه، هذا قول الجمهور. والثاني: أنها ترجع إلى الله تعالى، فالمعنى: كُلٌّ مسبِّحٌ لله، قاله السدي.
قوله تعالى: وَشَدَدْنا مُلْكَهُ أي: قوَّيناه. وفي ما شُدَّ به مُلْكُه قولان: أحدهما: أنه الحَرَسُ والجنود قال ابن عباس: كان يحرسُه كل ليلة ستة وثلاثون ألف رجل. والثاني: أنه هَيْبَةٌ ألقيت له في قلوب الناس وهذا المعنى مرويٌّ عن ابن عباس أيضاً. قوله تعالى: وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وفيها أربعة أقوال: أحدها: أنها الفَهْم، قاله ابن عباس، والحسن وابن زيد. والثاني: الصَّواب، قاله مجاهد.
والثالث: السُّنَّة، قاله قتادة. والرابع: النُّبُوَّة، قاله السدي.
وفي فصل الخطاب أربعة أقوال: أحدها: عِلْمُ القضاء والعدلُ، قاله ابن عباس والحسن.
والثاني: بيان الكلام، روي عن ابن عباس أيضاً. وذكر الماوردي أنه البيان الكافي في كل غرض مقصود. والثالث: قوله: «أما بعد» ، وهو أول من تكلَّم بها، قاله أبو موسى الأشعري والشعبي.
والرابع: تكليف المدَّعي البيِّنة، والمدَّعَى عليه اليمين، قاله شريح وقتادة وهو قولٌ حسنٌ لأن الخُصومة إنما تفصل بهذا.
وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ (22) إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ (23) قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ (24) فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ (25)
يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ (26)
قوله تعالى: وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ قال أبو سليمان: المعنى: قد أتاكَ فاسْتَمِعْ له نَقْصُصْ عليكَ. واختلف العلماء في السبب الذي امتُحِن لأجْله داوُد عليه السلام بما امتُحن به على خمسة أقوال «1» : أحدها: أنه قال: يا ربّ قد أعطيتَ إبراهيم وإسحاق ويعقوب من الذِّكْر ما لو وددت أنّك