لَآيَةً تدلُّ على قدرة الله تعالى على بعثهم والخسف بهم لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ أي: راجعٍ إِلى طاعة الله، متأمِّلٍ لِمَا يرى.
وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11)
قوله تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا وهو النُّبوَّة والزَّبور وتسخير الجبال والطير، إِلى غير ذلك ممَّا أنعم اللهُ به عليه يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وروى الحلبي عن عبد الوارث: «أُوْبي» بضم الهمزة وتخفيف الواو. قال الزجاج: المعنى: وقلنا: يا جبال أوِّبي معه، أي: ارجعي معه. والمعنى: سبِّحي معه ورجِّعي التسبيح. ومن قرأ: «أُوْبي» معناه: عودي في التسبيح معه كلما عاد. وقال ابن قتيبة: «أوِّبي» أي: سبِّحي، وأصل التأويب في السير، وهو أن يسير النهار كلَّه، وينزل ليلاً، فكأنه أراد: ادأَبي النهار كلَّه بالتسبيح إِلى الليل.
قوله تعالى: وَالطَّيْرَ وقرأ أبو رزين، وأبو عبد الرحمن السُّلَمي، وأبو العالية، وابن أبي عبلة:
«والطَّيْرُ» بالرفع. فأما قراءة النصب، فقال أبو عمرو بن العلاء: هو عطف على قوله عزّ وجلّ: وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا وَالطَّيْرَ أي: وسخَّرْنا له الطَّيْرَ. قال الزجاج: ويجوز أن يكون نصباً على النداء، كأنه قال: دعَوْنا الجبالَ والطيرَ، فالطير معطوف على موضع الجبال، وكل منادى عند البصريين فهو في موضع نصب قال: وأما الرفع، فمن جهتين: إِحداهما: أن يكون نسقاً على ما في «أوِّبي» فالمعنى يا جبال رجِّعي التسبيح معه أنتِ والطير. والثانية: على النداء، المعنى: يا جبال ويا أيُّها الطير أوِّبي معه.
قال ابن عباس: كانت الطير تسبِّح معه إِذا سبَّح، وكان إِذا قرأ لم تبق دابَّة إِلا استمعت لقراءته وبكت لبكائه. وقال وهب بن منبه: كان يقول للجبال: سبِّحي. وللطير: أجيبي، ثم يَأخذ هو في تلاوة الزَّبور بين ذلك بصوته الحسن، فلا يرى الناسُ منظراً أحسن من ذلك، ولا يسمعون شيئاً أطيبَ منه. قوله تعالى: وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ أي: جعلناه ليِّناً. قال قتادة: سخَّر اللهُ له الحديد بغير نار، فكان يسوِّيه بيده، لا يُدخله النار، ولا يضربه بحديدة، وكان أول من صنع الدروع، وكانت قبل ذلك صفائح.
قوله تعالى: أَنِ اعْمَلْ قال الزجاج: معناه: وقلنا له: اعْمَل، ويكون في معنى «لأن يعمل» سابِغاتٍ أي: دروعاً سابغات، فذكر الصفة لأنها تدل على الموصوف. قال المفسرون: كان يأخذ الحديد بيده فيصير كأنه عجين يعمل به ما يشاء، فيعمل الدّروع في بعض يوم فيبيعه بمال كثير، فيأكل ويتصدق. والسابغات: الدروع الكوامل التي تغطّي لابسها حتى تَفْضُل عنه فيجرّها على الأرض.
وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ أي: اجعله على قدر الحاجة. قال ابن قتيبة: السَّرْدُ: النَّسْج، ومنه يقال لصانع الدُّروع: سَرَّادٌ وزَرّادٌ، تبدل من السين الزاي، كما يقال: سرّاط وزرّاط. وقال الزجاج: السَّرْدُ في اللغة: تَقْدِمَةُ الشيء إِلى الشيء تأتي به متَّسقاً بعضُه في إِثر بعض متتابعاً، ومنه قولهم: سَرَدَ فلان الحديثَ. وفي معنى الكلام قولان: أحدهما: عدِّل المسمار في الحَلْقة ولا تصغِّره فيقلق، ولا تُعظِّمه فتنفصم الحَلْقة، قاله مجاهد. والثاني: لا تجعل حِلَقَه واسعة فلا تَقي صاحبها، قاله قتادة. قوله تعالى:
وَاعْمَلُوا صالِحاً خطاب لداود وآله.