قوله تعالى: وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ فيه أربعة أقوال «1» : أحدها: أن الحق: الإِسلام، والباطل: الشرك، قاله أبو صالح عن ابن عباس. والثاني: أن الحق: القرآن، والباطل: الشيطان، قاله قتادة. والثالث: أن الحق: الجهاد، والباطل: الشرك، قاله ابن جريج. والرابع: الحق: عبادة الله، والباطل: عبادة الأصنام، قاله مقاتل. ومعنى «زهق» : بَطَل واضمحلَّ. وكلُّ شيء هلك وبَطَل فقد زَهَق، وزَهَقت نفسُه: تلفت.
(915) وروى ابن مسعود أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم دخل مكة وحول البيت ثلاثمائة وستون صنماً، فجعل يطعنها ويقول: «جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً» .
فإن قيل: كيف قلتم: إنّ وَزَهَقَ بمعنى بَطَل، والباطل موجود معمول عليه عند أهله؟
فالجواب: أن المراد من بطلانه وهلكته: وضوح عيبه، فيكون هالكاً عند المتدبِّر الناظر.
وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَساراً (82)
قوله تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ «من» ها هنا لبيان الجنس، فجميع القرآن شفاء.
وفي هذا الشفاء ثلاثة أقوال: أحدها: شفاء من الضلال، لما فيه من الهدى. والثاني: شفاء من السَّقم، لما فيه من البركة. والثالث: شفاء من البيان للفرائض والأحكام. وفي «الرحمة» قولان: أحدهما:
النعمة. والثاني: سبب الرحمة. قوله تعالى: وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ يعني المشركين إِلَّا خَساراً لأنهم يكفرون به، ولا ينتفعون بمواعظه، فيزيد خسرانهم.
وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً (83) قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً (84)
قوله تعالى: وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ قال ابن عباس: الإنسان ها هنا: الكافر، والمراد به الوليد بن المغيرة. قال المفسرون: وهذا الإِنعام: سَعة الرزق، وكشف البلاء. وَنَأى بِجانِبِهِ قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وحفص عن عاصم: «ونأى» على وزن «نعى» بفتح النون والهمزة. وقرأ ابن عامر: «ناء» مثل «باع» . وقرأ الكسائي، وخلف عن سليم عن حمزة: «وناء» بامالة النون والهمزة.
وروى خلاَّد عن سليم: «نئي» بفتح النون، وكسر الهمزة، والمعنى: تباعد عن القيام بحقوق النّعم،