وأحضر معهم شيخا قدم من المشرق يقال له أبو سليمان النحوي صاحب الكسائي الصغير، وكان يقول بخلق القرآن ويذهب إلى الاعتزال، فقال عليّ بن حميد الوزير لمحمد: «يا أبا عبد الله، إن هذا الشيخ وصل إلينا من المشرق، وقد تناظر معه هؤلاء فناظره أنت»، فقال [محمد]: «تقول أيها الشيخ أو تسمع؟ » فقال له الشيخ: «قل يا بني» فقال محمد: «أرأيت كل مخلوق هل يذل لخالقه؟ » فسكت الشيخ ولم يحر جوابا، ومضى وقت طويل وانحصر ولم يأت بشيء، فقال له محمد:
«كم سنة أتت عليك أيها الشيخ؟ » فقال له: «ثمانون سنة» فقال ابن سحنون للوزير ابن حميد: «قد اختلف أهل العلم في الصلاة على الميت بعد سنة من يوم موته، فقال بعضهم: «يصلّى عليه»، وأجمعوا أنه إذا جاوز السنة لا يصلى عليه، وهذا الشيخ له ثمانون سنة ميت في عداد الموتى، فقد سقطت الصلاة عليه بإجماع»، ثم قام. فسر بذلك عليّ بن حميد وأهل المجلس. فسئل ابن سحنون أن يبين لهم معنى سؤاله هذا فقال: «إن قال إن كل مخلوق [يذل لخالقه]، فقد كفر، لأنه جعل القرآن ذليلا، لأنه يذهب إلى أنه مخلوق. قال الله عزّ وجلّ: {(وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ، لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ، تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)}، وإن قال:
إنه لا يذل فقد رجع إلى مذهب أهل السنة لأنه لا يذهب [في هذه الحالة] إلى أنه مخلوق الذي هو صفة من صفاته».