وكانت هي لا تقدر على الوصول إليه. فلما حضره الموت واشتدّ به الأمر وقرب منه ما بعد، قال لبعض من بحضرته: «امضوا إلى أختي فأتوني بها»، فمضوا إلى منزلها فأتوه بها. فلما وصلت أخبروه وقالوا: «أتدخل إليك؟ » فقال: «لا سبيل إلى دخولها، ولا أكون أول من أباح للنساء دخول الحصون. اجعلوها عند باب القصر تبكي وتنوح حتى أسمعها».قال: فبكت وناحت حتى سمعها، فبكى ثم قال: «قولوا لها:
انصرفي، فالموعد بيني وبينك الآخرة» ثم توفي، رحمه الله تعالى.
أخبر بهذه الحكاية أبو الحسن بن الخلاف، فكان يقول: «عجبا، كيف أمرها برفع الصوت بالنواح؟ لعله إنما استخف ذلك وأباحه لأخته للحديث الذي جاء في «الموطأ» في دخول النبي صلّى الله عليه وسلم على عبد الله بن ثابت فوجده قد غلب عليه.
[فصاح به. فلم يجبه. فاسترجع رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقال: غلبنا عليك، يا أبا الربيع.
فصاح] النسوة وبكين فجعل جابر يسكتهن، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «دعهن، فإذا وجب، فلا تبكينّ باكية».قالوا: «يا رسول الله، ما الوجوب؟ »، قال:
«إذا مات»، فقد أباح لهم صلّى الله عليه وسلم الصياح والبكاء عند احتضار المريض وقرب الموت منه».
وكانت وفاة واصل، رحمة الله عليه، سنة اثنتين وخمسين ومائتين.
قال أبو العرب: وقبره بين يدي حوانيت الخياطين الذين بقرب القصر، جمع الله تعالى بيننا وبينه في جنته برحمته.