رياض النفوس (صفحة 349)

ذلك الحصير، فعثر عليه ثانية، فغضب رباح وقال له: «رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول:

«لا يلدغ المؤمن من حجر مرتين، وأنت تعثر على حصير مرتين! ألا إذ عثرت عليه مرة أخذت حذرك فلا تعود إليه مرة أخرى؟ ».

ورأيت له، رحمه الله تعالى، رسالة كتب بها الى البهلول بن راشد: «السلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد، فإني أوصيك ونفسي بتقوى الله الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. فالزم على نفسك كثرة ذكره، واستعن بالله عزّ وجل على أداء فرائضه، واستغفره لما هو أعلم به، فإنه عزّ وجل يقول: {(مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَحِيماً)}، ثم أحدث احتراسا من الجليس، إلا من كان همه يعلو فرحه، وفكره ينفع جليسه، يستعمله إلفه. فمن لم يكن منهم كذلك، فأظهر له حسن الخلق، وتسلّك من إخائه في رفق. واستعن بكتاب الله عزّ وجل وكثرة ذكره وتلاوته، فإنه الشفاء والرحمة للمؤمنين. وقد نزل بنا ما ترى من سفك الدماء وذهاب الأموال، وقد علمت ما عاينت من كثرة العبر بتسليط إلهك عزّ وجل يوم سطا أبو حاتم الأعور، وإنما كان ذلك نقمة بالذنوب، فبلغ من الفساد ما الله أعلم به وأحصى له، من حصار وضيق أسعار وظهور المنكر. وقد قال إلهنا الكبير المتعال عزّ وجل: {(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ)}.فهل من رجوع ظاهر أو باطن؟ فما ينتظر من كان في مثل ما نحن فيه إلاّ نزول النقم، إلاّ أن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015