فإذا كَانَ حالُها ما وصَفْتُهُ, وحالُنَا وَمَا خُلِقْنَا لَهُ مَا قَدَّمْتُهُ, فَحَقٌّ عَلَى الْمُكلَّفِ أَنْ يَذْهَبَ بنفسِهِ مَذْهَبَ الأَخْيارِ , وَيَسلُكَ مَسْلَكَ أُولي النُّهَى وَالأَبْصَارِ , وَيَتَأهَّبَ لِمَا أشَرْتُ إليهِ, ويهتم بما نَبَّهتُ عليهِ. وأَصْوَبُ طريقٍ لهُ في ذَلِكَ, وَأَرشَدُ مَا يَسْلُكُهُ مِنَ المسَالِكِ: التَّأَدُّبُ بمَا صَحَّ عَنْ نَبِيِّنَا سَيِّدِ الأَوَّلينَ والآخرينَ , وَأَكْرَمِ السَّابقينَ والَّلاحِقينَ. صَلَواتُ اللهِ وسَلامُهُ عَلَيهِ وَعَلى سَائِرِ النَّبيِّينَ. وقدْ قالَ اللهُ تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] وقد صَحَّ عَنْ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قالَ: " واللهُ في عَوْنِ العَبْدِ مَا كَانَ العَبْدُ في عَوْنِ أَخِيهِ "وَأَنَّهُ قالَ: " مَنْ دلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أجْرِ فَاعِلِهِ" وأَنَّهُ قالَ: "مَنْ دَعَا إِلى هُدىً كَانَ لَهُ مِنَ الأَجرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تبعهُ لاَ يَنْقُصُ ذلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيئاً" وأَنَّهُ قالَ لِعَليٍّ رضي الله عنه: "فَوَاللهِ لأَنْ يَهْدِي اللهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِداً خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ".
فَرَأَيتُ أَنْ أَجْمَعَ مُخْتَصَراً منَ الأحاديثِ الصَّحيحَةِ, مشْتَمِلاً عَلَى مَا يكُونُ طريقاً لِصَاحبهِ إِلى الآخِرَةِ , ومُحَصِّلاً لآدَابِهِ البَاطِنَةِ وَالظَاهِرَةِ, جَامِعاً للترغيب والترهيب وسائر أنواع آداب السالكين: من أحاديث الزهد , ورياضات النُّفُوسِ , وتَهْذِيبِ الأَخْلاقِ, وطَهَارَاتِ القُلوبِ وَعِلاجِهَا, وصِيانَةِ الجَوَارحِ وَإِزَالَةِ اعْوِجَاجِهَا, وغَيرِ ذلِكَ مِنْ مَقَاصِدِ الْعارفِينَ.
وَألتَزِمُ فيهِ أَنْ لا أَذْكُرَ إلاّ حَدِيثاً صَحِيحاً مِنَ الْوَاضِحَاتِ, مُضَافاً إِلى الْكُتُبِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُوراتِ, وأُصَدِّر الأَبْوَابَ مِنَ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ بِآياتٍ كَرِيماتٍ, وَأَوشِّحَ مَا يَحْتَاجُ إِلى ضَبْطٍ أَوْ شَرْحِ مَعْنىً خَفِيٍّ بِنَفَائِسَ مِنَ التَّنْبِيهاتِ. وإِذا قُلْتُ في آخِرِ حَدِيث: مُتَّفَقٌ عَلَيهِ, فمعناه: رواه البخاريُّ ومسلمٌ.
وَأَرجُو إنْ تَمَّ هذَا الْكِتَابُ أنْ يَكُونَ سَائِقاً للمُعْتَنِي بِهِ إِلى الْخَيْرَاتِ, حَاجزاً لَهُ عَنْ أنْواعِ الْقَبَائِحِ والْمُهْلِكَاتِ. وأَنَا سائلٌ أخاً انْتَفعَ بِشيءٍ مِنْهُ أنْ يَدْعُوَ لِي , وَلِوَالِدَيَّ, وَمَشَايخي, وَسَائِرِ أَحْبَابِنَا, وَالمُسْلِمِينَ أجْمَعِينَ, وعَلَى اللهِ الكَريمِ اعْتِمادي, وَإِلَيْهِ تَفْويضي وَاسْتِنَادي, وَحَسبِيَ الله ونعم الوكيل, ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم.