وقال قوم من السلف: لا فائدة في لعن من جُنَّ أو مات منهم، لا بطريق الجزاء، ولا بطريق الزجر؛ فإنه لا يتأثر به.

وأما لعنُ العاصي المعين، فقال ابن العربي: لا يجوز لعنُه اتفاقًا (?)؛ لما روي عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: أنه أُتي بشارب خمر مرارًا، فقال بعضُ مَنْ حضر: لعنه اللَّه، ما أكثرَ ما يؤتى به! فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تَكُونُوا عَوْنَ الشَّيْطَانِ عَلَى أَخِيكُمْ"، فجعل له حرمةَ الأُخوة، وهذا يوجب الشفقة، وهذا حديث صحيح (?)، خرجه البخاري، ومسلم (?).

قال القرطبي في "جامعه": وقد ذكر بعض العلماء خلافًا في لعن العاصي المعين، قال: وإنما قال -عليه الصلاة والسلام-: "لَا تَكُونُوا عَوْنَ الشَّيْطَانِ عَلَى أَخِيكُمْ"، في حق النُّعيمان بعدَ إقامة الحدِّ عليه، ومن أُقيم عليه حدُّ اللَّه، فلا ينبغي لعنُه، ومن لم يُقَمْ عليه الحد، فلعنُه جائز، سواء سُمِّي، أو عُيِّن، أم لا؛ لأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لا يلعن إلا مَنْ تجب عليه اللعنة، ما دام على تلك الحالة الموجبة للعنة، فإذا تاب منها، وأقلع، وطهره الحدُّ، فلا لعنةَ تتوجَّه عليه، وبينَ هذا قولُه -عليه الصلاة والسلام-: "إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ، فَلْيَجْلِدْهَا الحَدَّ وَلَا يُثَرِّبْ" (?)، فدل هذا الحديث -مع صحته-، على أن التثريب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015