ومن هنا تولى الله -سبحانه- عباده من أول الأمر بالعناية والتوجيه، وبيان المنهج الذي يجب أن يسيروا عليه. جاء ذلك واضحًا في قصة أبي البشر، بعد أن أهبطه الله -تعالى- إلى الأرض هو وزوجه "حواء" يقول الله -تعالى-: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى، وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى، قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا، قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى، وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} 1.

وتتابعت الشرائع بعد ذلك توضح منهج الله -تعالى- لكل أمة حسب ظروفها ومقتضيات أحوالها، عن طريق رسول منها، بلغتها التي تتخاطب بها {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} 2.

ولما شاء الله -تعالى- أن يختم هذه السلسلة المباركة من الأنبياء والمرسلين، اختار أفضل خلقه، وأكمل رسله، فحمّله الرسالة الخاتمة التي جمعت كل ما تحتاج إليه البشرية في حياتها الدنيوية، وما تعدّ له في حياتها الآخرة، فكانت بمثابة حجر الزاوية الذي يمسك أركان البناء. قال تعالى: {بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ} 3.

وقال -صلى الله عليه وسلم-: "مثلي في النبيين كمثل رجل بنى دارًا فأحسنها وأكملها وأجملها، وترك فيها موضع لبنة لم يضعها، فجعل الناس يطوفون بالبنيان ويعجبون منه ويقولون: لو تم موضع هذه اللبنة؟ فأنا في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015