وتحصيل القول فيه على مذهب مالك أن المغبون إما أن يكون عالمًا بالقيمة، أو جاهلاً بها مستسلمًا لبائع، أو جاهلاً محانكًا في الثمن، فالأول لا مقال له لأنه في المعنى واهب للزيادة، وأما المستسلم الذي لا يعرف القيمة فلا خلاق أن له القيام بالغبن إذا غره البائع وخدعه لقوله تعالى: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} [البقرة: 188] ولنهيه -صلى الله عليه وسلم- عن الخلابة، وعن إضاعة المال.
وأما الجاهل بالقيمة المحانك في تقدير الثمن غير المستسلم للبائع فهل يتوجه له القيام بالغبن أم لا؟ (فيه) قولان في المذهب، هذا ما أشار إليه أبو عبد الله وغيره من (المحققين) المتأخرين، وظاهر كلام القاضي في التلقين (أن مورد) الخلاف في القيام بالغبن عام لا يختص مستسلم، ولا عالم، ورآى (أئمتنا) أن الخلاف في القيام بالغبن إنما يجري فيما عدا المزايدة والإشهار، وأما ما دخل السوق ووقعت فيه الشهرة والمزايدة فلا قيام فيه بالغبن، أما من لم ير القيام بالغبن فعول على أن المغبون مفرط، لأنه قادر على أن يوكل من يبيع له أو يبتاع، فهو بمنزله من وهب جزءًا من ماله، ومن جعل له الخيار عول على قوله تعالى: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} وعلى قوله -صلى الله عليه وسلم- للرجل الذي شكا إليه أنه يخدع في البيوع، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إذا بعت فقل لا خلابة) وعلى نهيه -صلى الله عليه وسلم- عن إضاعة المال، ونهيه عن الضرر