العدل أن يكون صادق المحبة (ظاهر الأمانة) عفيفًا عن المحارم، متوقيًا للمآثم، بعيدًا عن الريب، مأمونًا في الرضا والغضب، مستعملاً للمروءة في دينه ودنياه، ثم ذكر الأمور العارضة للعدل المانعة من قبول الشهادة وحصرها في التهمة الموجبة لاضطراب النفس باتهامه من صدق خبره، وذلك كشهادة الابن لأبويه، والأبوين له، وهي مردودة للتهمة، وكذلك الأجداد والجدات، وهذا الذي ذكر فيه تفصيل وخلاف، وأما شهادة الأب لولده على أجنبي فمردودة بلا خلاف عندنا، وأما شهادته لأحد ولديه على الآخر، إذا لم يعلم كيف منزلتهما عنده ففيه خلاف الجواز والمنع من باب التهمة لأمكن أن تكون شهادته لأقربهما منه رأفة، ولذلك لا تجوز شهادته كصغير أو كبير، ولا السفيه على رشيد لأنه يتهم في بقاء المال تحت يده، وتجوز للكبير على الصغير وللرشيد على السفيه، إلا أن تقوم في ذلك ظنة واختلف إذا كانا صغيرين، أو كبيرين، أو سفيهين، أو صغير رشيد، وسفيه كبير، وتجوز للعاق على البار، ولا تجوز شهادته للبار على العاق لاتهامه، ومنع سحنون من ذلك كله جملة من غير تفصيل، وهو ظاهر كلام القاضي، وأجاز ذلك داود وأهل الظاهر مع ثبوت العدالة بناء على أن العدل لا يتهم. والدليل على خلاف ما قالوه قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا تقبل شهادة خصم ولا ضنين) والظنة ههنا معلومة إذا شهد لابنه على أجنبي، وأما شهادته لأحدهما على الآخر ففيها خلاف مشهور. ففي كتاب محمد: لا تجوم شهادته لأحد أبويه على الآخر، إلا أن يكون مبرزًا، ويكون الشيء يسيرًا. وقال ابن نافع: شهادته لأحدهما على الآخر جائزة إلا أن يكون الابن في ولاء الأب، ولو شهد على أبيه بطلاق أمه، فإن كانت الأم منكرة لذلك جازت شهادته، لأنها شهادة عليهما وإن كانت الأم هي القائمة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015