هيأها لأمر عظيم وأعدها لخطب جسيم وادخر لها مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر من النعيم المقيم واقتضت حكمته البالغة أنها لا تصل إليه إلا من طريق المكاره والنصب ولا تعبر إليه إلا على جسر المشقة والتعب فحجبه بالمكروهات صيانة له عن الأنفس الدنيات المؤثرة للرذائل والسفليات وشمرت إليه النفوس العلويات والهمم العليات امتطت في السير إليه ظهور العزمات فسارت في ظهورها إلى أشرف الغايات
وركب سروا والليل مرخ رواقه ... على كل مغبر الموارد قائم
حدوا عزمات ضاعت الأرض بينها ... فصار سراهم في ظهور العزائم
أرتهم نجوم الليل ما يطلبونه ... على عاتق الشعرى وهام النعائم
فأموا حمى لا ينبغي لسواهم ... وما أخذتهم فيه لومة لائم
أجابوا منادى الحبيب لما أذن لهم حي على الفلاح وبذلوا نفوسهم في مرضاته بذل المحب بالرضا والسماح وواصلوا السير إليه بالغدو والرواح فحمدوا عند الوصول مسراهم وإنما يحمد القوم السرى عند الصباح تعبوا قليلا فاستراحوا طويلا وتركوا حقيرا واعتاضوا عظيما وضعوا اللذة العاجلة والعاقبة الحميدة في ميزان العقل فظهر لهم التفاوت فرأوا من أعظم السفه بيع الحياة الطيبة الدائمة في النعيم المقيم بلذة ساعة تذهب شهوتها وتبقى شقوتها