أمور الرعية وإنصاف بعضهم بعضا لأنه مَا من قوي في الدنيا إلا وفوقه أقوى منه فمتى مَا عرف السلطان فضل قوته على الضعفاء فغره ذلك من قوة الأقوياء كانت قوته حينا عَلَيْهِ وهلاكا له والضعيف المحترس أقرب إلى السلامة من القوي المغتر لأن صرعة الاسترسال لا تكاد تستقال ولا يجب أن يعجل في سلطانه بعقاب من يخاف أن يندم عَلَيْهِ ولا يثقن بمن عاقبه من غير جرم
وما أشبه السلطان إلا بالنار إن قصرت بطل نفعها وإن جاوزت عظم ضرها فخير السلطان من أشبه الغيث في أحيائه في نفع من يليه لا من أشبه النار في أكلها مَا يليها
والسلطان إذا كان عادلا خير من المطر إذا كان وابلا وسلطان غشوم خير من فتنة تدوم والناس إلى عدل سلطانهم أحوج منهم إلى خصب زمانهم
ولقد حَدَّثَنَا عمرو بْن مُحَمَّد حَدَّثَنَا الغلابي حَدَّثَنَا مرجي بْن المؤمل بْن المثنى المري عَن أبيه قَالَ قَالَ الأحنف بْن قيس الولي من الرعية مكان الروح من الجسد الذي لا حياة له إلا به وموضع الرأس من أركان الجسد الذي لا بقاء له إلا معه
وأنشدني ابن زنجي البغدادي للأفوه الأودي ... لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ... ولا سراة إذا جهالهم سادوا
والبيت لا يبتنى إلا بأعمدة ... ولا عماد إذا لم ترس أوتاد
فإن تجمع أوتاد وأعمدة ... وساكن أدركوا الأمر الذي كادوا
تهدى الأمور بأهل الرأي مَا صلحت ... فإن تولت فبالأشرار تنقاد ...
قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الواجب على السلطان قبل كل شيء أن يبدأ بتقوى اللَّه وإصلاح سريرته بينه وبين خالقه ثم يتفكر فيما قلده اللَّه من أمر إخوانه ورفعه عليهم ليعلم أنه مسئول عنهم في دق الأمور وجلها ومحاسب على قليلها وكثيرها ثم يتخذ وزيرا صالحا عاقلا عفيفا نصوحا وعمالا صالحين