فَرْعٌ
الِاسْتِطَاعَةُ نَوْعَانِ: اسْتِطَاعَةُ مُبَاشَرَةٍ بِنَفْسِهِ، وَاسْتِطَاعَةُ تَحْصِيلِهِ بِغَيْرِهِ. فَالْأُولَى تَتَعَلَّقُ بِخَمْسَةِ أُمُورٍ: الرَّاحِلَةُ، وَالزَّادُ، وَالطَّرِيقُ، وَالْبَدَنُ، وَإِمْكَانُ السَّيْرِ.
فَالْأَوَّلُ: الرَّاحِلَةُ. وَالنَّاسُ فِيهَا قِسْمَانِ. أَحَدُهُمَا: مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَسَافَةُ الْقَصْرِ، فَلَا يَلْزَمُهُ الْحَجُّ إِلَّا إِذَا وَجَدَ رَاحِلَةً، سَوَاءٌ قَدَرَ عَلَى الْمَشْيِ أَمْ لَا، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لِلْقَادِرِ الْحَجُّ. وَهَلِ الْحَجُّ رَاكِبًا أَفْضَلُ أَمْ مَاشِيًا؟ فِيهِ قَوْلَانِ سَنُوَضِّحُهُمَا فِي كِتَابِ النَّذْرِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قُلْتُ: الْمَذْهَبُ: أَنَّ الرُّكُوبَ أَفْضَلُ؛ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِأَنَّهُ أَعْوَنُ لَهُ عَلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَى مُهِمَّاتِ الْعِبَادَةِ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
ثُمَّ إِنْ كَانَ يَسْتَمْسِكُ عَلَى الرَّاحِلَةِ مِنْ غَيْرِ مَحْمِلٍ، وَلَا يَلْحَقُهُ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ، لَمْ يُعْتَبَرْ فِي حَقِّهِ إِلَّا وِجْدَانُ الرَّاحِلَةِ، وَإِلَّا فَيُعْتَبَرُ مَعَهَا وِجْدَانُ الْمَحْمِلِ. قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَلَوْ لَحِقَهُ مَشَقَّةٌ عَظِيمَةٌ فِي رُكُوبِ الْمَحْمِلِ، اعْتُبِرَ فِي حَقِّهِ الْكَنِيسَةُ. وَذَكَرَ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْعِرَاقِيِّينَ: أَنَّ الْمَرْأَةَ يُعْتَبَرُ فِي حَقِّهَا الْمَحْمِلُ وَأَطْلَقُوا؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا. ثُمَّ الْعَادَةُ جَارِيَةٌ بِرُكُوبِ اثْنَيْنِ فِي الْمَحْمِلِ، فَإِذَا وَجَدَ مُؤْنَةَ مَحْمِلٍ، أَوْ شِقِّ مَحْمِلٍ، وَوَجَدَ شَرِيكًا يَرْكَبُ فِي الشِّقِّ الْآخَرِ، لَزِمَهُ الْحَجُّ. وَإِنْ لَمْ يَجِدِ الشَّرِيكَ فَلَا يَلْزَمُهُ، سَوَاءٌ وَجَدَ مُؤْنَةَ الْمَحْمِلِ أَوِ الشِّقِّ، كَذَا قَالَهُ فِي الْوَسِيطِ وَكَانَ لَا يَبْعُدُ تَخْرِيجُهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي لُزُومِ أُجْرَةِ الْبَذْرَقَةِ. وَفِي كَلَامِ الْإِمَامِ إِشَارَةٌ إِلَيْهِ.