فَرْعٌ
يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ جَازِمَةً، فَلَوْ نَوَى لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ أَنْ يَصُومَ غَدًا إِنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ، فَلَهُ حَالَانِ.
الْأَوَّلُ: أَنْ لَا يَعْتَقِدَهُ مِنْ رَمَضَانَ، فَيُنْظَرُ، إِنْ رَدَّدَ نِيَّتَهُ فَقَالَ: أَصُومُ غَدًا عَنْ رَمَضَانَ إِنْ كَانَ مِنْهُ، وَإِلَّا، فَأَنَا مُفْطِرٌ، أَوْ فَأَنَا مُتَطَوِّعٌ، لَمْ يَقَعْ صَوْمُهُ عَنْ رَمَضَانَ إِذَا بَانَ مِنْهُ، لِأَنَّهُ صَامَ شَاكًّا.
وَقَالَ الْمُزَنِيُّ: يَقَعُ عَنْ رَمَضَانَ. وَلَوْ نَوَى لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ صَوْمَ غَدٍ إِنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ، وَإِلَّا فَهُوَ مُفْطِرٌ، أَجْزَأَهُ، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ رَمَضَانَ. وَلَوْ قَالَ: أَصُومُ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ، أَوْ تَطَوُّعًا، أَوْ أَصُومُ، أَوْ أُفْطِرُ، لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ لَا فِي الْأَوَّلِ وَلَا فِي الْآخَرِ.
أَمَّا إِذَا لَمْ يُرَدِّدْ نِيَّتَهُ، بَلْ جَزَمَ بِالصَّوْمِ عَنْ رَمَضَانَ، فَلَا يَصِحُّ صَوْمُهُ، لِأَنَّهُ ذَا لَمْ يَعْتَقِدْهُ مِنْ رَمَضَانَ، لَمْ يَتَأَتَّ مِنْهُ الْجَزْمُ بِصَوْمِ رَمَضَانَ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ حَدِيثُ نَفْسٍ لَا اعْتِبَارَ بِهِ. وَعَنْ صَاحِبِ «التَّقْرِيبِ» حِكَايَةُ وَجْهٍ: أَنَّهُ يَصِحُّ.
الْحَالُ الثَّانِي: أَنْ يَعْتَقِدَ كَوْنَهُ مِنْ رَمَضَانَ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَنِدِ اعْتِقَادُهُ إِلَى مَا يُثِيرُ ظَنًّا، فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ، وَإِنِ اسْتَنَدَ إِلَيْهِ، بِأَنِ اعْتَمَدَ قَوْلَ مَنْ يَثِقُ بِهِ، مِنْ حُرٍّ، أَوْ عَبْدٍ، أَوِ امْرَأَةٍ، أَوْ صَبِيَّيْنِ ذَوِي رُشْدٍ، وَنَوَى صَوْمَهُ عَنْ رَمَضَانَ، أَجْزَأَهُ إِذَا بَانَ مِنْ رَمَضَانَ.
فَإِنْ قَالَ فِي نِيَّتِهِ وَالْحَالَةِ هَذِهِ: أَصُومُ عَنْ رَمَضَانَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ رَمَضَانَ، فَهُوَ تَطَوُّعٌ، فَظَاهِرُ النَّصِّ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ صَوْمُهُ إِذَا بَانَ مِنْ رَمَضَانَ، لِلتَّرَدُّدِ.
وَفِيهِ وَجْهٌ: أَنَّهُ يَصِحُّ، لِاسْتِنَادِهِ إِلَى أَصْلٍ. وَرَأَى الْإِمَامُ طَرْدَ هَذَا الْخِلَافِ فِيمَا إِذَا جَزَمَ. وَيَدْخُلُ فِي قِسْمِ اسْتِنَادِ الِاعْتِقَادِ إِلَى مَا يُثِيرُ ظَنًّا بِنَاءُ الْأَمْرِ عَلَى الْحِسَابِ حَيْثُ جَوَّزْنَاهُ عَلَى التَّفْصِيلِ السَّابِقِ.