قُلْتُ: الصَّحِيحُ بَلِ الصَّوَابُ مَا قَالَهُ الْعِرَاقِيُّونَ، وَبِهِ قَطَعَ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ. أَصَحُّهَا، وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ أَنَّهُ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ لَا يُضَمُّ إِلَى غَيْرِهِ، وَالثَّانِي: يُضَمُّ إِلَى الْحِنْطَةِ، وَالثَّالِثُ: إِلَى الشَّعِيرِ.
فَرْعٌ
تَقَدَّمَ فِي الْخُلْطَةِ خِلَافٌ فِي ثُبُوتِهَا فِي الثِّمَارِ وَالزُّرُوعِ، وَأَنَّهَا إِنْ ثَبَتَتْ فَهَلْ تَثْبُتُ خُلْطَتَا الشُّيُوعِ وَالْجِوَارِ أَمِ الشُّيُوعِ فَقَطْ؟ وَالْمَذْهَبُ ثُبُوتُهُمَا مَعًا، فَإِنْ قُلْنَا: لَا تَثْبُتَانِ، لَمْ يَكْمُلْ مِلْكُ رَجُلٍ بِمِلْكِ غَيْرِهِ فِي إِتْمَامِ النِّصَابِ، وَإِنْ أَثْبَتْنَاهُمَا كَمُلَ بِمِلْكِ الشَّرِيكِ وَالْجَارِ. وَلَوْ مَاتَ إِنْسَانٌ وَخَلَّفَ وَرَثَةً وَنَخِيلًا مُثْمِرَةً أَوْ غَيْرَ مُثْمِرَةٍ وَبَدَا الصَّلَاحُ فِي الْحَالَيْنِ فِي مِلْكِ الْوَرَثَةِ فَإِنْ قُلْنَا: لَا تَثْبُتُ الْخُلْطَةُ فِي الثِّمَارِ، فَحُكْمُ كُلِّ وَاحِدٍ مُنْقَطِعٌ عَنْ غَيْرِهِ، فَمَنْ بَلَغَ نَصِيبُهُ نِصَابًا زَكَّى، وَمَنْ لَا فَلَا، وَسَوَاءٌ اقْتَسَمُوا، أَمْ لَا. وَإِنْ قُلْنَا: تَثْبُتُ، قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: إِنِ اقْتَسَمُوا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ، زَكَّوْا زَكَاةَ الِانْفِرَادِ، فَمَنْ لَمْ يَبْلُغْ نَصِيبُهُ نِصَابًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَهَذَا إِذَا لَمْ تَثْبُتْ خُلْطَةُ الْجِوَارِ، أَوْ أَثْبَتْنَاهَا وَكَانَتْ مُتَبَاعِدَةً. أَمَّا إِذَا كَانَتْ مُتَجَاوِرَةً وَأَثْبَتْنَاهَا، فَيُزَكُّونَ زَكَاةَ الْخُلْطَةِ، كَمَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَإِنِ اقْتَسَمُوا بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ، زَكَّوْا زَكَاةَ الْخُلْطَةِ، لِاشْتِرَاكِهِمْ حَالَةَ الْوُجُوبِ. ثُمَّ هُنَا اعْتِرَاضَانِ:
أَحَدُهُمَا لِلْمُزَنِيِّ، قَالَ: الْقِسْمَةُ بَيْعٌ، وَبَيْعُ الرِّبَوِيِّ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ جُزَافًا لَا يَجُوزُ، وَبَيْعُ الرُّطَبِ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ بِالرُّطَبِ بَيْعٌ جُزَافٌ، وَأَيْضًا فَبَيْعُ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَجُوزُ بِحَالٍ. أَجَابَ الْأَصْحَابُ بِجَوَابَيْنِ. أَحَدُهُمَا: قَالُوا: الْأَمْرُ عَلَى مَا ذُكِرَ إِنْ قُلْنَا: الْقِسْمَةُ بَيْعٌ، وَلَكِنْ فَرَّعَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ أَنَّهَا إِفْرَازُ الثَّانِي، وَإِنْ قُلْنَا: الْقِسْمَةُ بَيْعٌ، فَتُتَصَوَّرُ الْقِسْمَةُ هُنَا مِنْ وُجُوهٍ.