عَلَى الْجَمِيعِ الْقِصَاصُ أَوِ الدِّيَةُ، نِصْفُهَا عَلَى الْوَلِيِّ، وَنِصْفُهَا عَلَى الشُّهُودِ، وَلَوْ رَجَعَ الْقَاضِي مَعَهُمْ، فَالدِّيَةُ مُثَلَّثَةٌ، ثُلُثُهَا عَلَى الْقَاضِي، وَثُلُثٌ عَلَى الْوَلِيِّ، وَثُلُثٌ عَلَى الشُّهُودِ، وَيَنْبَغِي عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَنْ لَا يَجِبَ كَمَالُ الدِّيَةِ عَلَى الْوَلِيِّ إِذَا رَجَعَ وَحْدَهُ.
قُلْتُ: لَمْ يُرَجِّحِ الرَّافِعِيُّ وَاحِدًا مِنَ الْوَجْهَيْنِ، بَلْ حَكَى اخْتِلَافَ الْإِمَامِ وَالْبَغَوِيِّ فِي الصَّحِيحِ، وَالْأَصَحُّ مَا صَحَّحَهُ الْإِمَامُ وَقَدْ سَبَقَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْجِنَايَاتِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ الْقَطْعُ بِهِ، فَهُوَ الْأَصَحُّ نَقْلًا وَدَلِيلًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الثَّانِيَةُ: هَلْ يَتَعَلَّقُ بِالْمُزَكِّي الرَّاجِعِ قِصَاصٌ وَضَمَانٌ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ، أَحَدُهَا: لَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا أَثْنَى عَلَى الشَّاهِدِ، وَالْحُكْمُ يَقَعُ بِالشَّاهِدِ، فَكَانَ كَالْمُمْسِكِ مَعَ الْقَاتِلِ، وَأَصَحُّهُمَا: نَعَمْ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّزْكِيَةِ أَلْجَأَ القَّاضِىَ إِلَى الْحُكْمِ الْمُفْضِي إِلَى الْقَتْلِ، وَالثَّالِثُ يَتَعَلَّقُ بِهِ الضَّمَانُ دُونَ الْقِصَاصِ، قَالَ الْقَفَّالُ: الْخِلَافُ فِيمَا إِذَا قَالَ الْمُزَكِّيَانِ: عَلِمْنَا كَذِبَ الشَّاهِدَيْنِ، فَإِنْ قَالَا: عَلِمْنَا فِسْقَهُمَا، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا، لِأَنَّهُمَا قَدْ يَكُونَانِ صَادِقَيْنَ مَعَ الْفِسْقِ، وَطَرَدَ الْإِمَامُ الْخِلَافَ فِي الْحَالَيْنِ.
الثَّالِثَةُ: مَا ذَكَرْنَا مِنْ وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى الشُّهُودِ الرَّاجِعِينَ هُوَ فِيمَا إِذَا قَالُوا: تَعَمَّدْنَا، فَلَوْ قَالُوا: أَخْطَأْنَا، وَكَانَ الْجَانِي أَوِ الزَّانِي غَيْرَهُ، فَلَا قِصَاصَ، وَتَجِبُ الدِّيَةُ مُخَفَّفَةً، وَتَكُونُ فِي مَالِهِمْ؛ لِأَنَّ إِقْرَارَهُمْ لَا يَلْزَمُ الْعَاقِلَةَ، فَإِنْ صَدَقَهُمُ الْعَاقِلَةُ، فَهِيَ عَلَى الْعَاقِلَةِ.
قَالَ الْإِمَامُ: وَقَدْ يَرَى الْقَاضِي وَالْحَالَةُ هَذِهِ تَعْزِيزُ الشُّهُودِ لِتَرْكِهِمُ التَّحْفِيظَ، وَلَوْ قَالَ أَحَدُ شَاهِدَيِ الْقَتْلِ: تَعَمَّدْتُ وَلَا أَدْرِي أَتَعَمَّدَ صَاحِبِي أَمْ لَا، وَاقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: تَعَمَّدْتُ وَقَالَ صَاحِبُهُ: أَخْطَأْتُ، فَلَا قِصَاصَ عَلَى