وَنَوَى السَّلَامَ عَلَيْهِ مَعَهُمْ، حَنِثَ، وَفِيهِ مَا حَكَيْنَا عَنِ الْبَيَانِ فِيمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ، فَسَلَّمَ عَلَى قَوْمٍ هُوَ فِيهِمْ وَقَصَدَهُ، فَأَمَّا إِذَا اسْتَثْنَاهُ بِلَفْظِهِ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ إِلَّا عَلَى زَيْدٍ، فَلَا يَحْنَثُ. وَإِنْ اسْتَثْنَاهُ بِنِيَّتِهِ، لَمْ يَحْنَثْ أَيْضًا عَلَى الْمَذْهَبِ. وَإِنْ أَطْلَقَ، حَنِثَ عَلَى الْأَظْهَرِ. وَلَوْ حَلَفَ: لَا يَدْخُلُ عَلَى زَيْدٍ، فَدَخَلَ عَلَى قَوْمٍ هُوَ فِيهِمْ فَاسْتَثْنَاهُ بِقَلْبِهِ، وَقَصَدَ الدُّخُولَ عَلَى غَيْرِهِ، حَنِثَ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّلَامِ، أَنَّ الدُّخُولَ فِعْلٌ لَا يَدْخُلُهُ الِاسْتِثْنَاءُ، فَلَا يَنْتَظِمُ أَنْ يَقُولَ: دَخَلْتُ عَلَيْكُمْ إِلَّا عَلَى فُلَانٍ، وَيَصِحُّ أَنْ يَقُولَ: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ إِلَّا عَلَى فُلَانٍ. وَلَوْ دَخَلَ بَيْتًا فِيهِ زَيْدٌ، وَلَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ فِيهِ، فَفِي حِنْثِهِ قَوْلَا الْجَاهِلِ وَالنَّاسِي. وَلَوْ كَانَ فِي جَمَاعَةٍ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَأَوْلَى بِعَدَمِ الْحِنْثِ، وَإِنْ دَخَلَ لِشُغْلٍ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ فِي الْبَيْتِ، فَأَوْلَى بِعَدَمِ الْحِنْثِ لِانْضِمَامِ قَصْدِ الشُّغْلِ إِلَى الْجَهْلِ. قَالَ الْإِمَامُ: نَصَّ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ، وَخَرَّجَ الرَّبِيعُ قَوْلًا، وَجَعَلَهُ كَالنَّاسِي. وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ فِي الْبَيْتِ، وَقَصَدَ الدُّخُولَ لِشُغْلٍ، فَقِيلَ: يَحْنَثُ قَطْعًا. وَقِيلَ: هُوَ كَمَا لَوْ دَخَلَ عَلَى قَوْمٍ هُوَ فِيهِمْ وَاسْتَثْنَاهُ بِقَلْبِهِ وَلَوْ كَانَ الْحَالِفُ فِي بَيْتٍ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ زَيْدٌ، فَإِنْ خَرَجَ الْحَالِفُ فِي الْحَالِ، لَمْ يَحْنَثْ، وَإِلَّا، فَقِيلَ: لَا يَحْنَثُ، وَقِيلَ: فِيهِ خِلَافٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ اسْتِدَامَةَ الدُّخُولِ هَلْ هِيَ دُخُولٌ؟ وَأَجَابَ ابْنُ الصَّبَّاغِ عَنْ هَذَا بِأَنَّ الِاسْتِدَامَةَ إِنْ جُعِلَتْ دُخُولًا كَانَا كَالدَّاخِلَيْنَ مَعًا، فَلَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا دَاخِلًا عَلَى الْآخَرِ.
قُلْتُ: الَّذِي قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ حَسَنٌ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي «الْأُمِّ» . - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.