فِيهِ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ:
الْأَوَّلُ: فِي نَفْسِ الْيَمِينِ وَلِلْأَئِمَّةِ عِبَارَاتٌ فِي حَقِيقَةِ الْيَمِينِ، أَجْوَدُهَا وَأَصْوَبُهَا عَنِ الِانْتِقَاضِ وَالِاعْتِرَاضِ عِبَارَةُ الْبَغَوِيِّ، قَالَ: الْيَمِينُ تَحْقِيقُ الْأَمْرِ أَوْ تَوْكِيدُهُ بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ. وَيَتَعَلَّقُ بِالضَّبْطِ مَسَائِلُ إِحْدَاهَا: تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ وَالْمَاضِي، فَإِنْ حَلَفَ عَلَى مَاضٍ كَاذِبًا وَهُوَ عَالِمٌ، فَهُوَ الْيَمِينُ الْغَمُوسُ، سُمِّيَتْ غَمُوسًا، لِأَنَّهَا تَغْمِسُ صَاحِبَهَا فِي الْإِثْمِ أَوْ فِي النَّارِ، وَهِيَ مِنَ الْكَبَائِرِ، وَتَتَعَلَّقُ بِهَا الْكَفَّارَةُ. فَإِنْ كَانَ جَاهِلًا، فَفِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ الْقَوْلَانِ: فِيمَنْ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ نَاسِيًا.
الثَّانِيَةُ: مَنْ سَبَقَ لِسَانُهُ إِلَى لَفْظِ الْيَمِينِ بِلَا قَصْدٍ، كَقَوْلِهِ فِي حَالَةِ غَضَبٍ أَوْ لَجَاجٍ أَوْ عَجَلَةٍ أَوْ صِلَةِ كَلَامٍ: لَا وَاللَّهِ، وَبَلَى وَاللَّهِ، لَا تَنْعَقِدُ يَمِينُهُ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ كَفَّارَةٌ. وَلَوْ كَانَ يَحْلِفُ عَلَى شَيْءٍ، فَسَبَقَ لِسَانُهُ إِلَى غَيْرِهِ، فَكَذَلِكَ. وَهَذَا كُلُّهُ يُسَمَّى لَغْوَ الْيَمِينِ. وَإِذَا حَلَفَ وَقَالَ: لَمْ أَقْصِدِ الْيَمِينَ صُدِّقَ، وَفِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْإِيلَاءِ لَا يُصَدَّقُ فِي الظَّاهِرِ، لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ. قَالَ الْإِمَامُ فِي الْفَرْقِ: جَرَتِ الْعَادَةُ بِإِجْرَاءِ أَلْفَاظِ الْيَمِينِ بِلَا قَصْدٍ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، فَدَعْوَاهُ فِيهَا تُخَالِفُ الظَّاهِرَ، فَلَا يُقْبَلُ. قَالَ: فَلَوِ اقْتَرَنَ بِالْيَمِينِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْقَصْدِ، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ عَلَى خِلَافِ الظَّاهِرِ.