تَأْدِيبًا فِي زَعْمِهِمْ، وَإِنْ طَلَبَهُ عَيْنُ عَشِيرَتِهِ، لَمْ يُرَدَّ إِلَّا إِذَا كَانَ الطَّالِبُ مِمَّنْ يَقْدِرُ الْمَطْلُوبُ عَلَى قَهْرِهِ وَالْإِفْلَاتِ مِنْهُ، وَعَلَى هَذَا حُمِلَ رَدُّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا بَصِيرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهُ أَحَدٌ، فَلَا رَدَّ كَمَا لَا غُرْمَ إِذَا لَمْ يَطْلُبُ أَحَدٌ الْمَرْأَةَ، قَالَ الْأَصْحَابُ: وَمَعْنَى الرَّدِّ أَنَّهُ لَا مَنْعَ مِنَ الرُّجُوعِ، وَيُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ يَطْلُبُهُ، لَا أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الرُّجُوعِ، وَهَذَا مَعْنَى رَدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا جَنْدَلٍ وَأَبَا بَصِيرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَلَا يَبْعُدُ تَسْمِيَةُ التَّخْلِيَةِ رَدًّا كَمَا فِي رَدِّ الْوَدِيعَةِ، وَلَوْ شَرَطَ الْإِمَامُ فِي الْهُدْنَةِ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهِمْ مَنْ جَاءَهُ مُسْلِمًا، فَمِنَ الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ: يَجِبُ الْوَفَاءُ بِشَرْطِهِ، وَمُقْتَضَى هَذَا أَنْ لَا يُعْتَبَرَ الطَّلَبُ، وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ عَنِ النَّصِّ أَنَّهُ يَفْسُدُ الْعَقْدُ بِهَذَا الشَّرْطِ، وَذَكَرَ أَنَّهُمْ لَوْ طَلَبُوا مَنْ جَاءَ مِنْهُمْ وَهُوَ مُقِيمٌ عَلَى كُفْرِهِ، مَكَّنَّاهُمْ مِنْهُ، وَأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا شَرَطُوا أَنْ يَقُومَ بِرَدِّهِ عَلَيْهِمْ، وَفَّيْنَا بِالشَّرْطِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَطْلُوبِ أَنْ يَرْجِعَ إِلَيْهِمْ، وَلِذَلِكَ لَمْ يُنْكِرِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَبِي بَصِيرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - امْتِنَاعَهُ، فَإِنِ اخْتَارَ الْإِقَامَةَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، لَمْ يُمْنَعْ، وَيَقُولُ الْإِمَامُ لِلطَّالِبِ: لَا أَمْنَعُكَ مِنْهُ إِنْ قَدَرْتَ عَلَيْهِ، وَلَا أَعِينُكَ إِنْ لَمْ تَقْدِرْ، وَعَنِ النَّصِّ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ لِلْمَطْلُوبِ سِرًّا: لَا تَرْجِعُ، وَإِنْ رَجَعْتَ فَاهْرُبْ إِذَا قَدَرْتَ، وَلِلْمَطْلُوبِ أَنْ يَقْتُلَ الطَّالِبَ، وَلَنَا أَنْ نُرْشِدَهُ إِلَى قَتْلِهِ تَعْرِيضًا لَا تَصْرِيحًا، لِأَنَّ الْإِمَامَ إِنَّمَا الْتَزَمَ بِالْهُدْنَةِ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْهُمْ، وَيُمْنَعَ الَّذِينَ يُعَادُونَهُمْ وَهُمُ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَئِذٍ، فَأَمَّا مَنْ أَسْلَمَ بَعْدُ، فَلَمْ يَشْتَرِطْ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَا تَنَاوَلَهُ شَرْطُ الْإِمَامِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي قَبْضَتِهِ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ التَّعَرُّضُ لِمَنْ عَصَمَ الْإِمَامُ دَمَهُ وَمَالَهُ، وَلِهَذَا مَنْ جَاءَنَا مُسْلِمًا وَلَمْ يُطْلَبْ، يَلْزَمُهُ بِعَقْدِ الْهُدْنَةِ مَا لَزِمَنَا.