فَفِي تَقْرِيرِهِمْ بِالْجِزْيَةِ قَوْلَانِ، أَظْهَرُهُمَا: نَعَمْ، لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهُمْ عُلْقَةُ التَّنَصُّرِ فَلَا تَزُولُ، وَحَقِيقَةُ الْقَوْلَيْنِ تَرْجِعُ إِلَى أَنْ تَوَثُّنَهُ هَلْ يَسْتَتْبِعُ أَوْلَادَهُ؟ فَإِنْ أَتْبَعْنَاهُمْ، لَمْ يُغْتَالُوا، لِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي أَمَانٍ، وَلَمْ تُؤْخَذْ مِنْهُمْ جِزْيَةٌ، وَأَمَّا أَبُوهُمْ، فَيُبْنَى حُكْمُهُ عَلَى مَا سَبَقَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ أَنَّهُ هَلْ يُقْنَعُ مِنْهُ بِالْعَوْدِ إِلَى دِينِهِ أَمْ لَا يُقْنَعُ إِلَّا بِالْإِسْلَامِ، فَإِنْ أَبَاهُمَا، فَيُقْتَلُ أَمْ يَلْحَقُ بِالْمَأْمَنِ؟ قَوْلَانِ الْأَظْهَرُ: الثَّانِي.
فَرْعٌ
الْوَلَدُ الْمُنْعَقِدُ مِنْ مُرْتَدَّيْنِ، هَلْ هُوَ مُسْلِمٌ، أَمْ مُرْتَدٌّ، أَمْ كَافِرٌ أَصْلِيٌّ؟ فِيهِ أَقْوَالٌ سَبَقَتْ فِي الرِّدَّةِ، فَإِنْ قُلْنَا: مُسْلِمٌ، فَبَلَغَ وَصَرَّحَ بِالْكُفْرِ، فَمُرْتَدٌّ، وَإِنْ قُلْنَا: أَصْلِيٌّ، فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُقَرُّ بِجِزْيَةٍ.
فَرْعٌ
يَهُودُ خَيْبَرَ كَغَيْرِهِمْ فِي ضَرْبِ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِمْ، وَسُئِلَ ابْنُ سُرَيْجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَمَّا يَدَّعُونَهُ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَتَبَ لَهُمْ كِتَابًا بِإِسْقَاطِهَا، فَقَالَ: لَمْ يَنْقُلْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَفِي «الْبَحْرِ» أَنَّ ابْنَ أَبِي هُرَيْرَةَ أَسْقَطَ الْجِزْيَةَ عَنْهُمْ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَاقَاهُمْ، وَجَعَلَهُمْ بِذَلِكَ خَوَلًا، قَالَ: وَهَذَا شَيْءٌ تَفَرَّدَ بِهِ، وَالْمُسَاقَاةُ مُعَامَلَةٌ لَا تَقْتَضِي إِسْقَاطَ الْجِزْيَةِ.
الزَّمِنُ وَالشَّيْخُ الْفَانِي، وَالْأَجِيرُ وَالرَّاهِبُ وَالْأَعْمَى تُضْرَبُ عَلَيْهِمِ الْجِزْيَةُ كَغَيْرِهِمْ عَلَى الْمَذْهَبِ وَالْمَنْصُوصِ، لِأَنَّ الْجِزْيَةَ كَأُجْرَةِ الدَّارِ، وَقِيلَ: إِنْ قُلْنَا: لَا يُقْتَلُونَ، فَلَا جِزْيَةَ، كَالنِّسَاءِ، وَأَمَّا الْفَقِيرُ الْعَاجِزُ عَنِ الْكَسْبِ، فَالْمَشْهُورُ الْمَنْصُوصُ فِي عَامَّةِ كُتُبِهِ، أَنَّ عَلَيْهِ جِزْيَةً، وَفِي قَوْلٍ: