فَرْعٌ
قَالَ الْإِمَامُ: لَوْ قَلَّ الطَّعَامُ، وَاسْتَشْعَرَ الْأَمِيرُ الِازْدِحَامَ وَالتَّنَازُعَ فِيهِ، جَعَلَهُ تَحْتَ يَدِهِ، وَقَسَّمَهُ عَلَى الْمُحْتَاجِينَ عَلَى قَدْرِ حَاجَاتِهِمْ، وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ مَنْ مَعَهُ كِفَايَتُهُ مُزَاحَمَةَ الْمُحْتَاجِينَ.
الْحُكْمُ الثَّانِي: سُقُوطُ حَقِّ الْغَانِمِينَ بِالْإِعْرَاضِ وَفِيهِ مَسَائِلُ: إِحْدَاهَا: يَسْقُطُ حَقُّ الْغَانِمِ بِالْإِعْرَاضِ عَنِ الْغَنِيمَةِ، وَتَرْكِهَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَعْظَمَ مِنَ الْجِهَادِ إِعْلَاءُ الدِّينِ، وَالذَّبُّ عَنِ الْمِلَّةِ، وَالْغَنِيمَةُ تَابِعَةٌ، فَمَنْ أَعْرَضَ عَنْهَا، فَقْد مَحَّضَ عَمَلَهُ لِلْمَقْصُودِ الْأَعْظَمِ، وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمْ: وَهَبْتُ نَصِيبِي لِلْغَانِمِينَ، فَإِنْ أَرَادَ الْإِسْقَاطَ، سَقَطَ حَقُّهُ، وَإِنْ أَرَادَ التَّمْلِيكَ، فَوَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا عِنْدَ صَاحِبِ «الشَّامِلِ» : الصِّحَّةُ، وَبِهِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ، وَأَقْوَاهُمَا: الْمَنْعُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَمَّا بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَيَسْتَقِرُّ الْمِلْكُ، وَلَا يَسْقُطُ بِالْإِعْرَاضِ، كَسَائِرِ الْأَمْلَاكِ، وَلَوْ أَفْرَزَ الْخُمُسَ، وَلَمْ يُقَسِّمِ الْأَخْمَاسَ الْأَرْبَعَةَ فَوَجْهَانِ، وَيُقَالُ: قَوْلَانِ، الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ: يَصِحُّ الْإِعْرَاضُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ حَقُّهُ، وَالثَّانِي خَرَّجَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ: لَا يَصِحُّ، لِأَنَّ حَقَّهُمْ تَمَيَّزَ عَنِ الْجِهَاتِ الْعَامَّةِ، فَصَارَ كَمَالٍ مُشْتَرَكٍ، وَلَوْ قَالَ: اخْتَرْتُ الْغَنِيمَةَ، هَلْ يَمْنَعُ ذَلِكَ مِنْ صِحَّةِ الْإِعْرَاضِ وَجْهَانِ، أَشْبَهُهُمَا: نَعَمْ، وَلَوْ أَعْرَضَ جَمِيعُ الْغَانِمِينَ فَوَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: يَصِحُّ إِعْرَاضُهُمْ، فَيُصْرَفُ الْجَمِيعُ إِلَى مَصْرِفِ الْخُمُسِ، لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمُصَحَّحَ لِلْإِعْرَاضِ يَشْمَلُ لِلْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ، وَأَمَّا أَصْحَابُ الْخُمُسِ فَغَيْرُ ذَوِي الْقُرْبَى جِهَاتٌ عَامَّةٌ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهَا إِعْرَاضٌ، وَفِي صِحَّةِ إِعْرَاضِ ذَوِي الْقُرْبَى وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: نَعَمْ، كَالْغَانِمِ، وَأَصَحُّهُمَا: لَا، لِأَنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَهُ بِلَا عَمَلٍ، فَأَشْبَهَ الْإِرْثَ، وَلَوْ كَانَ مِنَ الْغَانِمِينَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِفَلَسٍ، صَحَّ إِعْرَاضُهُ، لِأَنَّ اخْتِيَارَ التَّمَلُّكِ كَالِاكْتِسَابِ، فَلَا يَلْزَمُهُ، وَلِأَنَّ الْإِعْرَاضَ يُمَحِّضُ جِهَادَهُ لِلْآخِرَةِ، فَلَا يُمْنَعُ