وَدَفْنَهُ، وَكَذَا صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ وَالْأَذَانُ وَالْعِيدُ إِذَا قُلْنَا: إِنَّهُنَّ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَكَذَا الْتِقَاطُ الْمَنْبُوذِ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَفُرُوضُ الْكِفَايَةِ أُمُورٌ كُلِّيَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِهَا مَصَالِحُ دِينِيَّةٌ أَوْ دُنْيَوِيَّةٌ لَا يَنْتَظِمُ الْأَمْرُ إِلَّا بِحُصُولِهَا، فَيَطْلُبُ الشَّارِعُ تَحْصِيلَهَا، وَلَا يَطْلُبُ تَكْلِيفَ وَاحِدٍ فَوَاحِدٍ بِهَا، بِخِلَافِ فَرَضِ الْعَيْنِ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مُكَلَّفٌ بِتَحْصِيلِهِ، وَفُرُوضُ الْكِفَايَةِ أَقْسَامٌ، مِنْهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِأَصْلِ الدِّينِ، وَهُوَ إِقَامَةُ الْحُجَّةِ الْعِلْمِيَّةِ، وَمَعْنَاهَا أَنَّهُ كَمَا تَجِبُ إِقَامَةُ الْحُجَّةِ الْقَهْرِيَّةِ بِالسَّيْفِ، يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمُسْلِمِينَ مَنْ يُقِيمُ الْبَرَاهِينَ، وَيُظْهِرُ الْحُجَجَ، وَيَدْفَعُ الشُّبَهَاتِ، وَيَحِلُّ الْمُشْكِلَاتِ، وَمِنْهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْفُرُوعِ، كَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ: الْأَمْرُ بِوَاجِبَاتِ الشَّرْعِ، وَالنَّهْيُ عَنْ مَحْرَمَاتِهِ، فَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ، فَإِنْ نُصِّبَ لِذَلِكَ رَجُلٌ، تَعَيَّنَ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ، وَهُوَ الْمُحْتَسِبُ، وَلَقَدْ أَحْسَنَ أَقَضَى الْقُضَاةِ الْمَاوَرْدِيُّ تَرْتِيبَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَتَقْسِيمَهُ، فَجَعَلَهُ ثَلَاثَةَ أَضْرُبٍ:

أَحَدُهَا: مَا يَتَعَلَّقُ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ نَوْعَانِ، أَحَدُهُمَا: يُؤْمَرُ بِهِ الْجَمِيعُ دُونَ الْأَفْرَادِ، كَإِقَامَةِ الْجُمْعَةِ حَيْثُ تَجْتَمِعُ شُرُوطُهَا، فَإِنْ كَانُوا عَدَدًا يَرَوْنَ انْعِقَادَ الْجُمْعَةِ بِهِمْ، وَالْمُحْتَسِبُ لَا يَرَاهُ، فَلَا يَأْمُرُهُمْ بِمَا لَا يُجَوِّزُهُ، وَلَا يَنْهَاهُمْ عَمَّا يَرَوْنَهُ فَرْضًا عَلَيْهِمْ، وَيَأْمُرُهُمْ بِصَلَاةِ الْعِيدِ، وَهَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَمْ مُسْتَحَبٌّ؟ وَجْهَانِ.

قُلْتُ: الصَّحِيحُ وُجُوبُ الْأَمْرِ، وَإِنْ قُلْنَا: صَلَاةُ الْعِيدِ سُنَّةٌ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ هُوَ الْأَمْرُ بِالطَّاعَةِ، لَا سِيَّمَا مَا كَانَ شِعَارًا ظَاهِرًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

النَّوْعُ الثَّانِي: يُؤْمَرُ بِهِ الْآحَادُ، مِثْلُ إِنْ أَخَّرَ بَعْضُ النَّاسِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015