الْبَابُ الثَّانِي فِي اسْتِيفَاءِ الْحَدِّ
فِيهِ طَرَفَانِ: الْأَوَّلُ: فِي كَيْفِيَّتِهِ، وَفِيهِ مَسَائِلُ:
إِحْدَاهَا: إِقَامَةُ الْحُدُودِ عَلَى الْأَحْرَارِ إِلَى الْإِمَامِ، أَوْ مَنْ فَوَّضَ إِلَيْهِ الْإِمَامُ، وَإِذَا أَمَرَ بِاسْتِيفَائِهِ، جَازَ لِلْمُفَوَّضِ إِلَيْهِ، وَلَا يَجِبُ حُضُورُ الْإِمَامِ، سَوَاءٌ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ أَوِ الْإِقْرَارِ، وَلَا حُضُورُ الشُّهُودِ إِذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ حُضُورُهُمْ وَابْتِدَاؤُهُمْ بِالرَّجْمِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُسْتَوْفَى بِحَضْرَةِ جَمَاعَةٍ أَقَلُّهُمْ أَرْبَعَةٌ.
الثَّانِيَةُ: لَا يُقْتَلُ الْمُحْصَنُ بِالسَّيْفِ ; لِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّمْثِيلُ بِهِ وَتَنْكِيلُهُ بِالرَّجْمِ فَيُرْجَمُ، وَلَيْسَ لِمَا يُرْجَمُ بِهِ تَقْدِيرٌ، لَا جِنْسًا وَلَا عَدَدًا، فَقَدْ تُصِيبُ الْأَحْجَارُ مَقَاتِلَهُ، فَيَمُوتُ سَرِيعًا، وَقَدْ تُبْطِئُ مَوْتَهُ، وَلَا يُرْمَى بِصَخْرَةٍ تُذَفِّفُ، وَلَا يَطُولُ تَعْذِيبُهُ بِالْحَصَيَاتِ الْخَفِيفَةِ، بَلْ يُحِيطُ النَّاسُ بِهِ فَيَرْمُونَهُ مِنَ الْجَوَانِبِ بِحِجَارَةٍ مُعْتَدِلَةٍ وَمَدَرٍ وَنَحْوِهَا حَتَّى يَمُوتَ، فَإِنْ كَانَ رَجُلًا لَمْ يُحْفَرْ لَهُ عِنْدَ الرَّجْمِ سَوَاءٌ ثَبَتَ زِنَاهُ بِالْبَيِّنَةِ أَمْ بِالْإِقْرَارِ، وَفِي الْمَرْأَةِ أَوْجُهٌ، أَحَدُهَا: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُحْفَرَ إِلَى صَدْرِهَا لِيَكُونَ أَسْتَرَ لَهَا، وَالثَّانِي: لَا يُسْتَحَبُّ، بَلْ هُوَ إِلَى خِيرَةِ الْإِمَامِ، وَأَصَحُّهَا: إِنْ ثَبَتَ زِنَاهَا بِالْبَيِّنَةِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُحْفَرَ، وَإِنْ ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ، فَلَا لِيُمْكِنَهَا الْهَرَبُ إِنْ رَجَعَتْ.
الثَّالِثَةُ: الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ الرَّجْمَ لَا يُؤَخَّرُ لِلْمَرَضِ ; لِأَنَّ نَفْسَهُ مُسْتَوْفَاةٌ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّحِيحِ، وَقِيلَ: إِنْ ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ، أُخِّرَ حَتَّى يَبْرَأَ ; لِأَنَّهُ رُبَّمَا رَجَعَ فِي أَثْنَاءِ الرَّمْيِ فَيُعِينُ ذَلِكَ عَلَى قَتْلِهِ، وَمِثْلُ هَذَا الْخِلَافِ يَعُودُ فِي أَنَّهُ هَلْ يُرْجَمُ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ؟ وَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ الْجَلْدَ، فَإِنْ كَانَ الْمَرَضُ مِمَّا يُرْجَى زَوَالُهُ، أُخِّرَ حَتَّى يَبْرَأَ، وَكَذَا الْمَحْدُودُ وَالْمَقْطُوعُ فِي حَدٍّ وَغَيْرِهِ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ حَدٌّ آخَرَ حَتَّى