الْمُقَابَلَةِ بِمِثْلِهَا دَفْعًا، أَوْ أَحَاطُوا بِنَا، وَاضْطُرِرْنَا إِلَى الرَّمْيِ بِالنَّارِ وَنَحْوِهَا، فَعَلْنَاهُ لِلضَّرُورَةِ، وَإِنْ تَحَصَّنُوا بِبَلْدَةٍ أَوْ قَلْعَةٍ، وَلَمْ يَتَأَتَّ الِاسْتِيلَاءُ عَلَيْهَا إِلَّا بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا رَعَايَا لَا بَغْيَ فِيهِمْ، لَمْ يَجُزْ قِتَالُهُمْ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا إِلَّا الْبُغَاةُ الْمُقَاتِلُونَ، فَكَذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ ; لِأَنَّ تَرْكَ بَلْدَةٍ فِي أَيْدِي طَائِفَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَدْ يُمْكِنُ الِاحْتِيَالُ فِي مُحَاصَرَتِهِمْ وَالتَّضْيِيقِ عَلَيْهِمْ أَقْرَبَ إِلَى الْإِصْلَاحِ مِنِ اصْطِلَامِ أُمَمٍ.
الْخَامِسَةُ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَعَانَ عَلَيْهِمْ بِكُفَّارٍ ; لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَسْلِيطُ كَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لِمُسْتَحِقِّ قِصَاصٍ أَنْ يُوَكِّلَ كَافِرًا بِاسْتِيفَائِهِ، وَلَا لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَّخِذَ جَلَّادًا كَافِرًا لِإِقَامَةِ الْحُدُودِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَعَانَ بِمَنْ يَرَى قَتْلَهُمْ مُدْبِرِينَ إِمَّا لِعَدَاوَةٍ وَإِمَّا لِاعْتِقَادِهِ، كَالْحَنَفِيِّ، إِلَّا أَنْ يَحْتَاجَ إِلَى الِاسْتِعَانَةِ بِهِمْ، فَيَجُوزُ بِشَرْطَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ فِيهِمْ جُرْأَةٌ وَحُسْنُ إِقْدَامٍ، وَالثَّانِي: أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ مَنْعِهِمْ لَوِ ابْتَغَوْا أَهْلَ الْبَغْيِ بَعْدَ هَزِيمَتِهِمْ، وَلَا بُدَّ مِنِ اجْتِمَاعِ الشَّرْطَيْنِ لِجَوَازِ الِاسْتِعَانَةِ، كَذَا حَكَاهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ والرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا عَنِ اتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ وَلَفْظُ الْبَغَوِيِّ يَقْتَضِي جَوَازُهَا بِأَحَدِهِمَا.
السَّادِسَةُ: لَوِ اسْتَعَانَ الْبُغَاةُ عَلَيْنَا بِأَهْلِ الْحَرْبِ، وَعَقَدُوا لَهُمْ ذِمَّةً وَأَمَانًا لِيُقَاتِلُوا مَعَهُمْ، لَمْ يُنَفَّذْ أَمَانُهُمْ عَلَيْنَا، فَلَنَا أَنْ نَغْنَمَ أَمْوَالَهُمْ، وَنَسْتَرِقَّهُمْ، وَنَقْتُلَهُمْ إِذَا وَقَعُوا فِي الْأَسْرِ، وَنَقْتُلَهُمْ مُدْبِرِينَ، وَنُذَفِّفَ عَلَى جَرِيحِهِمْ، وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: لَا يُتْبَعُ مُدْبِرُهُمْ، وَلَا يُذَفَّفُ عَلَى جَرِيحِهِمْ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَهَلْ يَنْعَقِدُ الْأَمَانُ فِي حَقِّ الْبُغَاةِ؟ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: