«الْمِنْهَاجِ» لِلشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِمْ أَنْ يَمْتَنِعُوا مِنْ حُكْمِ الْإِمَامِ، وَأَنْ يُظْهِرُوا لِأَنْفُسِهِمْ حُكْمًا، وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ: هَذَا طَرِيقُ مُخَالَفَةِ الْإِمَامِ، وَلَا بُدَّ فِيهِمْ مِنْهَا، ثُمَّ تُعْتَبَرُ الْخَصْلَتَانِ فَلَيْسَ فِيهِ مُخَالَفَةُ مَا سُقْنَاهُ. وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

الطَّرَفُ الثَّانِي فِي حُكْمِ الْبُغَاةِ وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:

إِحْدَاهَا: شَهَادَةُ الْبُغَاةِ مَقْبُولَةٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمْ لَيْسُوا فَسَقَةً، وَلَفْظُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَلَوْ شَهِدَ مِنْهُمْ عَدْلٌ، قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ مَا لَمْ يَكُنْ يَرَى الشَّهَادَةَ لِمُوَافَقَتِهِ بِتَصْدِيقِهِ، فَأَثْبَتَ الْعَدَالَةَ مَعَ الْبَغْيِ، فَإِنْ كَانَ لَهُمْ قَاضٍ فِي بَلَدٍ، قَالَ الْمُعْتَبِرُونَ مِنَ الْأَصْحَابِ: إِنْ كَانَ يَسْتَحِلُّ دِمَاءَ أَهْلِ الْعَدْلِ، لَمْ يُنَفَّذْ حُكْمَهُ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَدْلٍ، وَمِنْ شَرْطِ الْقَاضِي الْعَدَالَةُ، وَكَذَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ فِيمَا لَوْ كَانَ الشَّاهِدُ يَسْتَحِلُّ دِمَاءَ أَهْلِ الْعَدْلِ وَأَمْوَالِهِمْ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُطْلِقُ نُفُوذَ قَضَاءِ الْبُغَاةِ لِمَصْلَحَةِ الرَّعِيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَاضِيهِمْ مِمَّنْ يَسْتَحِلُّ دِمَاءَ أَهْلِ الْعَدْلِ وَأَمْوَالِهِمْ، وَنَفَذَ حُكْمُهُ فِيمَا يَنْفُذُ فِيهِ حُكْمُ قَاضِي أَهْلِ الْعَدْلِ، فَلَوْ حَكَمَ بِمَا يُخَالِفُ النَّصَّ أَوِ الْإِجْمَاعَ أَوِ الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ، فَهُوَ بَاطِلٌ، حَتَّى لَوْ قَضَى عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ بِضَمَانِ مَا أَتْلَفَ فِي الْحَرْبِ عَلَيْهِمْ، لَمْ يَنْفُذْ قَضَاؤُهُ، وَكَذَا لَوْ حَكَمَ بِسُقُوطِ ضَمَانِ مَا أَتْلَفُوهُ هُمْ عَلَى أَهْلِ الْعَدْلِ فِي غَيْرِ الْقِتَالِ، لَمْ يَنْفُذْ، وَلَوْ حَكَمَ بِسُقُوطِ ضَمَانِ مَا أَتْلَفُوهُ فِي الْقِتَالِ، نَفَذَ حُكْمُهُ، وَلَا تَجُوزُ مُطَالَبَتُهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ، وَلَا يَنْفُذُ قَضَاءُ الْبَاغِي إِذَا كَانَ مِنَ الْخَطَّابِيَّةِ الَّذِينَ يَقْضُونَ لِمُوَافَقَتِهِمْ بِتَصْدِيقِهِمْ إِذَا قَضَى لِمُوَافِقِهِ، كَمَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لَهُ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015