فَالْغِنَى غَيْرُ مُسْتَبْعَدٍ، فَتَحْصُلُ التُّهْمَةُ، وَمَوْتُ الْقَرِيبِ كَالْمُسْتَبْعَدِ فِي الِاعْتِقَادِ، فَلَا تَتَحَقَّقُ فِيهِ تُهْمَةٌ، وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْعَاقِلَةِ عَلَى فِسْقِ بَيِّنَةِ قَتْلِ الْعَمْدِ وَبَيِّنَةِ الْإِقْرَارِ بِالْخَطَأِ ; لِأَنَّ الدِّيَةَ لَا تَلْزَمُهُمْ، فَلَا تُهْمَةَ.
فَرْعٌ
شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى رَجُلَيْنِ أَنَّهُمَا قَتَلَا زَيْدًا، فَشَهِدَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِمَا عَلَى الْأَوَّلَيْنِ أَنَّهُمَا قَتْلَاهُ، قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ: يُسْأَلُ الْوَلِيُّ، فَإِنْ صَدَّقَ الْأَوَّلَيْنِ دُونَ الْآخَرَيْنِ، ثَبَتَ الْقَتْلُ عَلَى الْآخَرَيْنِ، وَإِنْ صَدَّقَ الْآخَرَيْنِ دُونَ الْأَوَّلَيْنِ، أَوْ صَدَّقَ الْجَمِيعَ، أَوْ كَذَّبَ الْجَمِيعَ، بَطَلَتْ شَهَادَةُ الْجَمِيعِ ; لِأَنَّ الْآخَرَيْنِ يَدْفَعَانِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا ضَرَرًا، وَلِأَنَّهُمَا عَدُوَّانِ لِلْأَوَّلَيْنِ، وَاعْتُرِضَ عَلَى تَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ بِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تُسْمَعُ إِلَّا بَعْدَ تَقَدُّمِ دَعْوَى عَلَى مُعَيَّنٍ، وَأُجِيبَ بِأَوْجُهٍ، أَحَدُهَا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: إِنَّ تَقَدُّمَ الدَّعْوَى إِنَّمَا يُشْتَرَطُ إِذَا كَانَ الْمُدَّعِي يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ، وَتَجُوزُ الشَّهَادَةُ قَبْلَ الدَّعْوَى لِمَنْ لَا يُعَبِّرُ، كَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ، وَالشَّهَادَةُ هُنَا لِلْقَتِيلِ، وَلِهَذَا تُقْضَى مِنْهَا دُيُونُهُ وَوَصَايَاهُ، وَهَذَا ذَهَابٌ إِلَى قَبُولِ شَهَادَةِ الْحِسْبَةِ فِي الدِّمَاءِ، وَهُوَ وَجْهٌ ضَعِيفٌ.
الثَّانِي: عَنِ الْمَاسَرْجِسِيِّ وَالْأُسْتَاذِ أَبِي طَاهِرٍ: أَنَّ صُورَتَهَا إِذَا لَمْ يَعْلَمِ الْوَلِيُّ الْقَاتِلَ، وَتُسْمَعُ الشَّهَادَةُ قَبْلَ الدَّعْوَى وَالْحَالَةُ هَذِهِ، وَهَذَا وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّ شَهَادَةَ الْحِسْبَةِ تُقْبَلُ إِنْ لَمْ يُعْلَمْ بِهَا الْمُسْتَحِقُّ.
الثَّالِثُ: قَالَهُ الْجُمْهُورُ تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تُقْبَلُ إِلَّا بَعْدَ تَقْدِيمِ الدَّعْوَى، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَصُورَتُهَا أَنْ يَدَّعِيَ الْوَلِيُّ الْقَتْلَ عَلَى رَجُلَيْنِ، وَيَشْهَدُ لَهُ شَاهِدَانِ، فَيُبَادِرُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِمَا، وَيَشْهَدَانِ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ بِأَنَّهُمَا الْقَاتِلَانِ، وَذَلِكَ يُورِثُ رِيبَةً لِلْحَاكِمِ، فَيُرَاجِعَ الْوَلِيَّ، وَيَسْأَلُهُ احْتِيَاطًا، وَلَوْ كَانَ الْمُدَّعِي وَكِيلَ الْوَلِيِّ، نُظِرَ، إِنْ كَانَ عَيَّنَ الْآخَرَيْنِ وَأَمَرَهُ بِالدَّعْوَى عَلَيْهِمَا، فَفَعَلَ، وَأَقَامَ بِهَا شَاهِدَيْنِ، فَشَهِدَ