كَانَ فِي وَهْدَةٍ فَلَا بُدَّ أَنْ يَصْعَدَ، وَهَذَا عِنْدَ الِاعْتِدَالِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْوَادِي. وَلَا فَرْقَ فِي اعْتِبَارِ مُجَاوَزَةِ عُرْضِ الْوَادِي وَالصُّعُودِ وَالْهُبُوطِ بَيْنَ الْمُنْفَرِدِ فِي خَيْمَةٍ وَمَنْ فِي أَهْلِ خِيَامٍ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ. أَمَّا إِذَا كَانَ فِي أَهْلِ خِيَامٍ كَالْأَعْرَابِ وَالْأَكْرَادِ، فَإِنَّمَا يَتَرَخَّصُ إِذَا فَارَقَ الْخِيَامَ، مُجْتَمِعَةً كَانَتْ أَوْ مُتَفَرِّقَةً إِذَا كَانَتْ حُلَّةً وَاحِدَةً وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ أَبْنِيَةِ الْبَلَدِ. وَلَا يُشْتَرَطُ مُفَارَقَتُهُ لِحُلَّةٍ أُخْرَى، بَلِ الْحُلَّتَانِ كَالْقَرْيَتَيْنِ. وَضَبَطَ الصَّيْدَلَانِيُّ التَّفَرُّقَ الَّذِي لَا يُؤَثِّرُ، بِأَنْ يَكُونُوا بِحَيْثُ يَجْتَمِعُونَ لِلسَّمَرِ فِي نَادٍ وَاحِدٍ، وَيَسْتَعِينُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ. فَإِنْ كَانُوا بِهَذِهِ الْحَالَةِ فَهِيَ حُلَّةٌ وَاحِدَةٌ. وَيُعْتَبَرُ مَعَ مُجَاوَزَةِ الْخِيَامِ مَرَافِقُهَا، كَمَطْرَحِ الرَّمَادِ وَمَلْعَبِ الصِّبْيَانِ وَالنَّادِي وَمَعَاطِنِ الْإِبِلِ، فَإِنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ مَوَاضِعِ إِقَامَتِهِمْ. وَلَنَا وَجْهٌ شَاذٌّ: أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ مُفَارَقَةُ الْخِيَامِ، بَلْ يَكْفِي مُفَارَقَةُ خَيْمَتِهِ.
فَرْعٌ
إِذَا فَارَقَ الْمُسَافِرُ بُنْيَانَ الْبَلْدَةِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهَا لِحَاجَةٍ، فَلَهُ أَحْوَالٌ. أَحَدُهَا: أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ بِتِلْكَ الْبَلْدَةِ إِقَامَةٌ أَصْلًا، فَلَا يَصِيرُ مُقِيمًا بِالرُّجُوعِ وَلَا بِالْحُصُولِ فِيهَا.
الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ وَطَنَهُ، فَلَيْسَ لَهُ التَّرَخُّصُ فِي رُجُوعِهِ، وَإِنَّمَا يَتَرَخَّصُ إِذَا فَارَقَهَا ثَانِيًا. وَلَنَا وَجْهٌ: أَنَّهُ يَتَرَخَّصُ ذَاهِبًا، وَهُوَ شَاذٌّ مُنْكَرٌ.
الثَّالِثُ: أَنْ لَا تَكُونَ وَطَنَهُ، لَكِنَّهُ أَقَامَ بِهَا مُدَّةً، فَهَلْ لَهُ التَّرَخُّصُ فِي رُجُوعِهِ؟ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: نَعَمْ، صَحَّحَهُ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ، وَالْغَزَالِيُّ، وَقَطَعَ بِهِ فِي (التَّتِمَّةِ) . وَالثَّانِي: لَا، وَقَطَعَ بِهِ فِي (التَّهْذِيبِ) وَحَيْثُ حَكَمْنَا بِأَنَّهُ لَا يَتَرَخَّصُ إِذَا عَادَ، فَلَوْ نَوَى الْعَوْدَ وَلَمْ يَعُدْ بَعْدُ لَمْ يَتَرَخَّصْ وَصَارَ بِالنِّيَّةِ مُقِيمًا، وَلَا فَرْقَ